ونسائهما تعيش عيشة صالحة طيبة، أو ترتكب ما ترتكبه من الآثام في اعتدال، فإن من حقنا أن نفترض أن المحامي المعوج، والقاضي غير النزيه، والكردنال الذي يريد الدنيا، والقس الذي لا يراعى واجبات مهنته، كانوا شواذاً يبرزون في وضوح أكثر مما يبرز أمثالهم في أي مكان آخر، لنه كان يشرف عليهم ويصفح عنهم في بعض الأحيان كرسي الرسول، غير أن هذه الفضائح كان فيها من الحقيقة ما يكفي إذا ضم إلى فرار البابوات من روما للقضاء على منزلة الكنيسة وسلطانها. وكأنما أراد بابوات أفنيون أن يحققوا ظن الناس فيهم، بأنهم لم يعودوا كما كانوا قوة عالمية، بل أضحوا آلات طيعة في يد فرنسا، فاختاروا ١١٣ كردنالا فرنسياً لمجمع الكرادلة المؤلف من ١٣٤ كردنالا (١٤). وكان هذا من أسباب تغاضي الحكومة الإنجليزية عن هجمات ويلكف Wyclif القاسية على البابوية. كذلك رفض الناخبون الألمان بعد ذلك الوقت كل تدخل من جانب البابوات في انتخاب ملوكهم وأباطرتهم، ولما أن رفض رؤساء الأديرة في اسقفية كولوني عام ١٣٧٢ أن يؤدوا العشور إلى البابا جريجوري الحادي عشر، أعلنوا جهرة أن الكرسي الرسولي قد أنحط إلى الدرك الأسفل من الاحتقار، حتى بدأ أن المذهب الكاثوليكي في تلك الديار مهدد باشد الأخطار. أما غير رجال الدين فهم في حديثهم عن الكنيسة يظهرون لها ضروب الاحتقار، لأنها تخلت عما تعودته في الأيام الماضية، فلا تكاد تختار رسلها من الواعظين أو المصلحين، بل تختارهم من الرجال المتباهين، الماكرين، الأنانيين، الشرهين. ويقد بلغت الحال من السوء درجة ينذر معها أن تجد مسيحيين إلا بالاسم" (١٥).
لقد كان الأسر البابلي للبابوات في أفنيون، وما تلاه من انقسام في البابوية، هو الذي مهد السبيل إلى الإصلاح الديني، وكانت عودة البابوات إلى إيطاليا هي التي أرجعت لهم مكانتهم وأجلت الكارثة التي حلت بهم قرنا من الزمان.