وليس في مقدورنا أن نغض الطرف عن هذه الشهادة الصادرة من شاهد عيان لم يحد طوال حياته عن طريق الدين، وإن لم تخل من المبالغة والحقد الشخصي. ومن واجبنا فوق ذلك أن نقص منها بعض الشيء لصدورها من رجل يبغض أفنيون لأنها اختطفت البابوبة من إيطاليا، وكان يطلب الهبات من بابوات أفنيون، وينال منها الكثير، ويطلب المزيد، رجل رضى أن يعيش مع السفاح فيكونتي عدو البابوية، وكان له هو نفسه ولدان غير شرعيين. ولم تكن الأخلاق في روما، التي كان بترارك يلح على البابوات في أن يعودوا إليها، خيراً مما كانت في أفنيون وقتئذ، إلا لأن الفقر كان معواناً على العفة. ولم تصف القديسة كترين السنائية أفنيون بالوضوح الذي وصفها به بترارك، ولكنها أخبرت جريجوري الحادي عشر أنها إذا جاءت إلى البلاط البابوي كانت "خياشيمها تقتحمها روائح الجحيم"(١٣).
ووجد في هذا الانحلال الأخلاقي بابوات كثيرون خليقون بمنصبهم الرفيع، يفضلون آداب المسيح على آداب زمانهم. وإذا ذكرنا أنه لم يوجد بين بابوات أفنيون السبعة إلا واحد عاش معيشة اللذة الدنيوية، وواحد آخر هو يوحنا الثاني والعشرون، أخذ نفسه بحياة الزهد والتقشف مهما يكن من شراهته وقسوته، وآخر هو جرجوري الحادي عشر كان في السلم مضرب المثل في التقوى وسمو الأخلاق وإن كان في الحرب قاسياً لا يرحم، وأن ثلاثة-بندكت الثاني عشر، وإنوسنت السادس، وإربان الخامس يكادون يكونون في حياتهم قديسين أطهاراً- إذا ذكرنا هذا لم يكن من حقنا أن نلقى تبعة جميع الرذائل التي تجمعت في أفنيون البابوية على كاهل البابوات. لقد كانت الثروة سبب هذه الرذائل، وقد كانت لها هي هذه النتائج بعينها في أماكن أخرى- في روما أيام نيرون، وروما أيام ليو العاشر، وباريس في عهد لويس الرابع عشر، ونيويورك وتشكاجو في هذه الأيام، وكما أننا نجد الكثرة الغالبة من رجال هاتين المدينتين الأخيرتين