عدا عليه الزمان في خلال القرون الأربعة والعشرين، التي مرت به؛ فهو الآن ضريح حجري بسيط، يوناني في شكله وتحرج صانعه، يرتفع إلى ما يقرب من خمس وثلاثين قدماً فوق قاعدة مدرجة. وما من شك في أن هذا الأثر كان أعلى مما هو الآن وأنه كانت له قاعدة تتناسب مع ضخامته. أما الآن فإنه يبدو عارياً عطلاً من الزينة مهجوراً، توحي صورته بالجمال الذي لا يكاد يبقى منه أثر فيه؛ وكل ما يبعثه في النفس هو الأسى والحزن، لأن الجماد أبقى على الزمان من سواه. وإلى أقصى الجنوب عند نقش رستم غير بعيد من برسبوليس يقوم قبر دارا الأول منحوتاً في واجهة صخرة في الجبل كأنه ضريح هندوسي، وقد نقش مدخله ليمثل لمن يراه واجهة قصر لا قبر، وأقيمت عند هذا المدخل أربعة عمد دقيقة حول باب غير شامخ. ومن فوق هذا الباب شخوص قائمة كأنها فوق سقف يمثل أهل البلاد الخاضعة للفرس تحمل منصة رسم عليها الملك كأنه يعبد أهورا- مزدا والقمر. والفكرة التي أوحت بهذا الرسم وطريقة تنفيذها تسري فيهما روح البساطة والرقة الأرستقراطية.
والمباني الفارسية الأخرى التي نجت من الحروب والغارات والسرقات وفعل الأجواء مدى ألفين من الأعوام، هي خرائب القصور. فقد شاد ملوك الفرس الأولون في إكباتانا مسكناً لهم من خشب الأرز والسرو المصفح بالمعادن، كان لا يزال قائماً في أيام يوليبويس (حوالي ١٥٠ ق. م)، أما الآن فلم يبق له اثر. أما أروع الآثار الفارسية القديمة التي تنفرج عنها الأرض الكتوم يوماً بعد يوم فهي الدرج الحجرية والأرصفة والأعمدة التي كشفت في برسبوليس. ذلك أن دارا ومن جاء بعده من ملوك الفرس قد أقاموا لهم فيها قصوراً يحاولون بها أن يرجئوا الوقت الذي تنسى فيه أسمائهم. ولسنا نجد في تاريخ العمائر كلها ما يشبه الدرج الخارجية العظيمة التي كان القادم من السهل يرقاها إلى الربوة التي شيدت عليها القصور.