في الغرب بعد أن دامت لها هذه السيطرة أربعمائة عام، وحل الحوار والمقالة محل الجدل المدرسي فأصبحا هما الصورة التي اتخذها العرض الفلسفي، ودخلت روح افلاطون المطربة المبهجة في جسم التفكير الأوربي الناشئ دخول الخميرة المنعشة في العجين.
لكن هذه الثورة قد اعقبتها شئ من رد الفعل. ذلك أنه كلما زاد ما كشفته إيطاليا من تراثها الأدبي القديم غلب على إعجاب الإنسانيين ببلاد اليونان فخرهم بأدب روما القديمة وفنها، ولهذا أحبوا اللغة اللاتينية واتخذوها أداة لأدب حي، فجعلوا أسماءهم لاتينية، وجعلوا مصطلحات عباداتهم وحياتهم المسيحيتين رومانية: فصار أسم الله يوبتر Luppiter، وأسم العناية الإلهية فاتوم Fatum والقديسين ديفي Divi، والراهبات vestales والبابا بنتفكس مكسيموس (الحير الأعظم Pontifex maximus) ، وصاغوا أسلوب نثرهم على غرار أسلوب نثرهم على غرار أسلوب شيشرون، وشعرهم على غرار شعر فرجيل وهوراس، وبلغ بعضهم مثل فيليفو، وبوليتيان بأسلوبهم درجة من الرشاقة تكاد تعادل رشاقة الأقدمين. وهكذا أخذت النهضة تعود ادراجها من اللغة اليونانية إلى اللغة اللاتينية، ومن أثينة إلى روما، وبدا كأن خمسة عشر قرناً من الزمان قد أخذت تطوى طيا، وكأن عصر شيشرون، وهوراس، وأوفد، وسنكا، قد ولد من جديد. وأصبح الأسلوب وقتئذ أعظم شأنا من المعنى، وغلبت الصورة على المادة، وترددت أصداء خطب العصر الماضي المجيد مرة أخرى في أبهاء الإيطالية بدل اللاتينية، ولكنهم كانوا يحتقرون لغة المسالي والمغاني ويرونها لاتينية فاسدة منحطة (وفي الحق أنها تكاد تكون كذلك)، ويأسفون لأن دانتي آثر اللغة الدارجة. وقد جوزي الإنسانيون على فعلتهم هذه بأنهم فقدوا اتصالهم بمصادر الأدب الحية، وترك الشعب مؤلفات