وكان أعظم الكتاب الإنسانيين نشاطاً وأكثرهم سبباً للمتاعب هو بجيو براتشيوليني Poggio Bracciolini. وقد ولد لأبوين فقيرين بالقرب من أرتسو (١٣٨٠)، وتلقى تعليمه في فلورنس، ودرس اللغة اليونانية على ما نيول كريسلوراس Manuel Chrysoloras، وكان يكسب عيشه بنسخ المخطوطات، وصادقه سالوتاري وعطف عليه، وعين في الرابعة والعشرين من عمره كاتباً في المحكمة البابوية في رومة، وقضى السنين الخمسين التالية يعمل في البلاط البابوي، ولم ينل في خلال هذه المدة كلها شيئاً من الرتب الدينية حتى أصغرها، ولكنه كان يرتدي الثياب الكهنوتية. وقدر له القائمون على البلاط نشاطه فأرسلوه في أكثر من عشر بعثات، وكثيراً ما كان يحيد من عمله فيها ليبحث عن المخطوطات القديمة، وقد يسر له منصبه في الأمانة البابوية الوصول إلى الكنوز المخبوءة في المكتبات التي كان يحرص عليها أشد الحرص أو كانت تهمل أشد الإهمال في أديرة القديس جول St. Gall ولانجر Langers، وفينجارتن Weingarten وريتشنو Rsichenau وقد بلغت غنائمه من هذه المكتبة حداً من الثراء جعل بروني وغيره من الكتاب الإنسانيين يحبونه أعظم تحية ويرون أن أعماله كانت من المعالم البارزة في تاريخ ذلك العصر. ولما عاد بجيو إلى روما كتب لمارتن الخامس Martin V دفاعاً مجيداً عن عقائد الكنيسة، ومع أنه كان في المجتمعات الخاصة يسخر مع غيره من موظفي البلاط البابوي من العقائد المسيحية (٢٩). وقد كتب عدة محاورات ورسائل بلغة لاتينية غير مصقولة ولكنها منعشة مطربة، يندد فيها برذائل رجال الدين، بينما كان هو يرتكب تلك الرذائل إلى أقصى حد تمكنه منه موارده. ولما أن غاب عليه الكردنال سانتا أنجيلو وجوده أبناء له، وهو ما لا يليق برجل يرتدي الثياب الكهنوتية، وأن له عشيقة، وهو أمر لا يليق حتى برجل من غير رجال الدين، رد بجيو على ذلك بقحته المعهودة: «إن لي ابناء وذلك أمر يليق بغير رجال الدين،