فما كان من الفنسو إلا أن بادر بإرسال ٥٠٠ دوقة ليقطع بها لسانه. وألف بجيو بعد أن أستمتع بكل شهوة وغريزة رسالة في شقاء أحوال البشر قال فيها إن شرور الحياة ترجح مباهجها، واختتمها بقول صولون Solon إن اسعد الناس حظاً من لا يولدون (٢٣). وعاد إلى فلورنس حين بلغ الثانية والسبعين من عمره وعين أميناً للحاكم العام، ثم اختير في آخر الأمر حاكماً للمدينة. وقد عبر عن تقديره لهذا الاختيار بكتابة تاريخ لفلورنس على طريقة الأقدمين-جمع فيه بين أخبار السياسة والحرب والخطب الخيالية، ولما أن وافته المنية أخيراً وهو في سن التاسعة والسبعين تنفس غيره من الإنسانيين الصعداء (١٤٥٩). ودفن هو أيضاً في كنيسة الصليب المقدس Santa Croce وأقيم له تمثال من صنع دوناتلو عند واجهة الكنيسة، وحدث في أثناء الارتباك الناشئ من بعض التغييرات أن وضع ذلك التمثال في داخل الكنيسة نفسها بوصفه تمثالً لأحد الرسل الأثني عشر.
ولا جدال في أن المسيحية قد فقدت قبل ذلك الوقت من الناحيتين الفقهية والأخلاقية سلطانها على طائفة كبيرة من الإنسانيين الإيطاليين ربما كانت هي الكثرة الغالبة منهم. نعم إن طائفة منهم أمثال ترافرساري، وبروني، ومانتي في فلورنس، وفتورينو دا فلتري Vittorino da Felter في مانتو، وجوارينو دا فرونا Guarino da Verona في فرارا، وفلافيو بيوندو Flavio Biondo في روما قد بقوا أوفياء مخلصين لدينهم، إلا أن الثقافة اليونانية التي تكشف للكثيرين غيرهم والتي دامت ألف عام كاملة، وبلغت الذروة العليا في الأدب، والفلسفة، والفن مستقلة تمام الاستقلال عن اليهودية والمسيحية، نقول إلا أن هذه الثقافة كانت ضربة قاضية على إيمانهم بالعقيدة الدينية التي علمها القديس بولس، بالعقيدة القائلة أن «لا نجاة خارج الكنيسة». واصبح سقراط وأفلاطون في نظر هؤلاء قديسين من غير رجال الدين، وبدت لهم أسرة الفلاسفة اليونان أعلى درجة