للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما التصوير فكان أيسر عليه أن يعبر عن جميع الأفكار المسيحية والوثنية في اوسع نطاقها، في هذا العصر يتسم بالسرعة والخصب. وهل كان في وسع مثال أن يصور حياة القديس فرانسس بالسرعة والإتقان اللذين صورها بهما جيتو؟ يضاف إلى هذا أن الكثرة الغالبة من أهل إيطاليا في عهد النهضة كانت مشاعرها وافكارها لا تزال مصطبغة بصبغة العصور الوسطى، وحتى الأقلية التي تحررت من هذه الصبغة كانت لا تزال جوانحها تنطوي على اصداء وذكريات من الدين القديم، بآماله، ومخاوفه، ورؤاه الغامضة الخفية، وما ينطوي عليه من رقة، وخشوع، ونزعات روحية، وقوي تسري في نفوسها، وكان لابد لهذه كلها، ولما يعبر عنه فن النحت اليوناني والروماني من جمال متعدد الأنواع، ومثل عليا مختلفة، أن تجد لها في الفن الإيطالي متنفساً وشكلاً، وكان في وسع التصوير أن يؤدي هذه المهمة أداء إن لم يكن اكثر من النحت إخلاصاً ودقة، فلا أقل من أن يكون أكثر منه يسراً. وكان النحت قد درس قبلئذ جسم الإنسان دراسة بلغت من الطول والحب مدى يقلل من قدرته على تمثيل الروح، وإن كان المثالون القوط قد أفلحوا من حين إلى حين في تمثيل الروح في الحجارة أحسن تمثيل. وكان لابد لفن النهضة أن يصور الجسم والروح والوجه والشعور، وكان عليه أن يكون قوي الإحساس بالمدى الذي تستطيع أن تبلغه التقوى، والحب، والانفعال، وألألم، والتشكك، والشهوانية، والكبرياء، بضروبها المختلفة، وأن يتأثر بهذا المدى وتلك الضروب وتنطبع فيه. والعبقرية المجدة الكادحة وحدها هي التي تستطيع أن تمثل هذا في الرخام، أو البرونز، أو الصلصال، ولما حاول جبرتي ودونالتو أن يفعلا هذا كان عليهما أن ينقلا إلى فن النحت اساليب الرسم الملون بما يتطلبه من فن المنظور والتدرج غير المُحَس، وقد ضحيا من أجل وضوح التعبير ما كان يطلب إلى التماثيل اليونانية في العصر الذهبي أن تلتزمه من مثل أعلى في الشكل، ومن هدوء واطمئنان في الوقفة والوضع. ونضيف إلى ذلك أخيراً