يشكو تلك الشكوى الوهمية الفكهة وهي أن الله كان دائماً يسبقه فيعيد إليه ما ينفقه في أوجه الخير، مضافاً إليه ربحه (٥٢). وكان حين يذهب للإقامة في الريف يدرس كتب أفلاطون، وتتلمذ في هذه الدراسة على محسوبه فتشينو Ficino. ولما حضرته الوفاة وعده فتشينو بالحياة في دار الأخيار معتمداً في ذلك على ما نقله أفلاطون عن سقراط لا على أقوال المسيح. ولما مات (١٤٦٤) حزن على موته أصدقاؤه وأعدائه على السواء، فقد كانوا يخشون أن تضرب الفوضى أطنابها في الحكومة، فخرجت المدينة كلها تقريباً تشيع جثته إلى قبره الذي كلف دزيديريو دا ستنيانو Desiderio da Settignano أن يعده له في كنيسة سان لورندسو.
وكان الوطنيون من أمثال جوتشيارديني Guicciardini، الذين أغضبهم مسلك آل مديتسي المتأخرين، يرون فيه ما يرى بروتس Brutus في قيصر (٥٣)، وكان مكيفلي يعظمه كما يعظم قيصر (٥٤) لقد قضى كوزيمو على الديمقراطية، ولكن الحرية التي وقف في سبيلها لم تكن إلا حرية الأغنياء في أن يحكموا الدولة حكماً قائماً على العنف والتحزب. ولسنا ننكر أنه قد لوث حكمه بأفعال القسوة التي كان يرتكبها في بعض الأحيان، ولكن حكمه كان في معظمه من أكثر العهود ليناً، وسلاماً، ونظاماً في تاريخ فلورنس، وكان العهد الآخر الذي يضارعه هو عهد الحفيد الذي دربه آباؤه. وقلما عرف التاريخ أميراً أوتى ما أوتيه من حكمة في الكرم، واهتمام حق بتقدم الإنسانية، ويقول فتشينو هذا:«إني مدين لأفلاطون بالشيء الكثير، ولكني لست أقل من ذلك ديناً لكوزيمو، فهو الذي حقق لي الفضائل التي أخذت فكرتها عن أفلاطون»(٥٥). وقد ازدهرت في عهده الحركة الإنسانية الأدبية، وفي عهده نالت العبقريات المتعددة التي وهبها دوناتلو والراهب انجيلكو، ولبولبي من السخاء ما كان أكبر مشجع لها، وفي أيامه عاد أفلاطون إلى تيار الإنسانية الفكري، بعد أن ظل يطمس معالمه عهوداً طوالاً. ولما انقضى على موت كوزيمو عام، وسنحت للزمان الفرصة لأن