وارتضى أهل المدينة حكمهم لأن الرخاء ظل كما كان، ولما زار جاليتسو ماريا اسفوردسا Galeazzo Maria Sdorza دوق ميلان مدينة فلورنس في عام ١٤٧١ ذهل حين شهد ما تتمتع به المدينة من ثراء، وذهل أكثر من هذا مما جمعه كوزيمو، وبيرو ولورندسو من روائع الفن في قصر آل ميديتشي وحدائقهم. فقد كانت المدينة حتى في ذلك الوقت متحفاً حقاً من التماثيل، والمزهريات، والجواهر، والصور، والمخطوطات المزدانة بالنقوش، والآثار المعمارية. وأكد جليتسو أنه شاهد في هذه المجموعة وحدها من الصور الجميلة أكثر مما شاهده منها في سائر إيطاليا، ذلك أن فلورنس قد سبقت غيرها بمراحل طويلة في هذا الفن الذي يمتاز به عصر النهضة. وزاد آل مديتيشي ثراء على ثرائهم حين رأس لورندسو (١٤٧١) وفداً من أهل فلورنس قدم إلى روما ليهنئ سكتس Sixtus الرابع بارتقائه عرش البابوية، ورد سكتس على هذه التهنئة بأن جدد تعيين ممثل بيت ميديتشي مديراً للأموال البابوية، وكان بيرو قد حصل قبل خمس سنين من ذلك الوقت على حق استغلال المناجم البابوية القريبة من سفيتا فيتيشيا وكانت تخرج حجر الشب الثمين المستعمل في صباغة الأقمشة وصقلها، وكان استغلال هذه المناجم يدر عليه أموالاً طائلة.
وواجه لورندسو بعد قليل من عودته من روما أولى أزماته الكبرى التي لم يفلح كل الفلاح في معالجتها. وتفصيل ذلك أن منجماً من مناجم الشب في ناحية فلتيرا Volterr- وهي جزء من أملاك فلورنس- قد أجر إلى بعض المتعهدين أكبر الظن أنهم كانوا ذوي صلة بآل ميديتشي. فلما تبين لأهل فلتيرا أن المنجم يدر ربحاً موفوراً طالبوا بأن يكون للبلدية قسط من هذا الربح. فأحتج المتعهدون على هذا الطلب، ورفعوا امرهم إلى مجلس فلورنس الأعلى. وزاد المجلس المشكلة تعقيداً حين أمر بأن يذهب الربح بأجمعه إلى بيت مال دولة فلورنس كلها. واعترضت فلتيرا على هذا الأمر،