أنشأها كانت خليقة بأن تزدان بها أغاني بترارك نفسه. ولكنه لم يمن يأخذ الحب الشعري مأخذ الجلد فوق ما يجب أن يأخذه. وكان يكتب بإخلاص أكثر وأجمل على المناظر الريفية، التي يمرن فيها أطرافه ويستمتع فيها بهدوء عقله، وكانت خير قصائده هي التي يتغنى فيها بما في الريف من الغابات ومجاري المياه، والاشجار والأزهار، وقطعان الماشية والرعاة. وكان في بعض الأحيان يكتب قطعاً شعرية فكهة سمت بلغة الفلاحين الساذجة، فأوجدت فيها شعراً حياً بهيجاً؛ وكتب في بعض الأوقات هزليات هجائية متحررة من المبادئ الخلقية تحرر هزليات رابليه Rabelais، ثم كتب مسرحية دينية لأبنائه، وترانيم نجد في مواضع متفرقة منها نغمة من التقي الذي تسري فيه روح الإخلاص، غير أن أكثر ما يميزه من القصائد عن غيره من الشعراء هي أغاني التنكر التي كتبت ليتغنى بها في أوقات الأعياد وفي ساعات اللهو والانشراح، والتي تعبر عن مشروعية اللذة، وتسخر من احتشام العذارى. وليس ثمة ما نستبين منه أخلاق النهضة الإيطالية وآدابها، وتعقدها، واختلاف مناحيها، من صورة أعظم شخصياتها ومحور قطبها يحكم دولة، ويصرف شئون ثروة، ويثاقف في ألعاب الفروسية، ويكتب شعراً ممتازاً، ويشكل برعايته النقادة المميزة الفنانين والمؤلفين، ويختلط في غير تكلف أو تباعد بالعلماء والفلاسفة، والفلاحين، والمهرجين، ويمشي في المواكب ويترنم بالأغاني الفاجرة الخليعة، ويؤلف الأناشيد الرقيقة، ويداعب العشيقات، ويلد أحد البابوات، وتجلّه أوربا بأجمعها وتعده أعظم الإيطاليين في زمانه وأكثرهم نبلاً.