للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى فرع- من الشعر، إلى الفلسفة، إلى العمارة، إلى الموسيقى، -وقد وصل في كل فرع منها إلى درجة غير قليلة من البراعة. حتى قال عنه بوليتيان إن الطبيعة قد كملته فجمعت فيه كل مواهبها: «كان طويل القامة، متناسب الأعضاء، يشع وجهه بشيء من النورانية الإلهية»، نافذ النظرات، لا يمل الدرس، قوي الذاكرة إلى حد الإعجاز، غزير المعرفة في كل فرع من فروع العلم، فصيح اللسان يجيد عدة لغات، تعجب به النساء ويحبه الفلاسفة، لا يقل جمال خُلقه عن وسامة خَلْقه، بلغ الدرجة العليا في جميع الصفات الذهنية. وكان عقله مفتوحاً لجميع الفلسفات والأديان، لا يسعه ولا يوائمه أن يرفض أي نظام أو أي إنسان، ومع أنه نبذ التنجيم في السنين الأخيرة من حياته، فإنه رحب بالتصوف وبالسحر ولقيا منه من القبول ما لقيه أفلاطون والمسيح. ولم يظن بكلمة طيبة على الفلاسفة المدرسين، الذين رماهم معظم من عداه من الكتاب الإنسانيين بأنهم قوم همج ينطقون بالسخافات والأباطيل. وكان يجد في التفكير العربي (١) واليهودي كثيراً مما يدعو إلى الإعجاب، وكان من بين أساتذته وأصدقائه المكرمين عدد كبير من اليهود (١٦). وكان من بين ما درسه أسرار القبلة اليهودية، واعترف في غير مماحكة، ولا تكلف بما يعزى إليها من قدم، وجهر بأنه وجد فيها أدلة تقطع بألوهية المسيح. وإذا كان من ألقابه الإقطاعية أنه «كونت كنكورديا» (٢) Count of Cpncordia فقد أخذ على عاتقه ذلك الواجب السامي واجب التوفيق بين ديانات الغرب العظمى -اليهودية، والمسيحية، والإسلام-ثم التوفيق بينها وبين أفلاطون، ثم بين أفلاطون وأرسطو. واكن كل من عرفه يتودد إليه ويتملقه، ولكنه ظل إلى آخر حياته القصيرة يحتفظ بتواضعه


(١) يريد التفكير الإسلامي بطبيعة الحال. (المترجم)
(٢) يشير المؤلف إلى أن جيوفني يريد أن يحقق ما يدل عليه لقبه وهو (الاتفاق أو التحاب) (المترجم)