الساحر الفنان الذي لا تضارعه إلا ثقته القوية المخلصة بدقة علمه وبقوة العقل الإنساني.
ولما قدم إلى روما في الرابعة والعشرين من عمره (١٤٨٦)، أذهل القساوسة. والعلماء بأن نشر مجموعة مكونة من تسعمائة قضية تشمل المنطق، وما بعد الطبيعة، واللاهوت، وعلم الأخلاق، والرياضيات، والطبيعة، والسحر، والقبلة، وتضم فوق ذلك البدعة الدينية السمحة القائلة بأنه ما دامت أعظم خطيئة ارتكبها الإنسان محدودة غير أبدية، فإنها لا يمكن أن تستحق العقاب الأبدي. وجهر بيكو باستعداده للدفاع عن أية قضية من هذه القضايا وعنها جميعاً في أية مناقشة عامة ضد أي إنسان، وعرض أن يقوم بأداء جميع نفقات السفر لمن يريد أن يتحداه أيا كان البلد الذي يأتي منه. وقد مهد لهذه المباراة الفلسفية المقترحة بإعداد رسالة ذائعة الصيت عرفت فيما بعد باسم: (في كرامة الإنسان De hominis dignitale) عبر فيها بحماسة الشباب عن آراء الكتاب الإنسانيين في النوع الإنساني وهي الآراء التي تناقض معظم ما يراه أهل العصور الوسطى. وقد كتب بيكو في ذلك يقول:«من الأقوال المألوفة في المدارس أن الإنسان عالم صغير نتبين فيه جسماً امتزجت فيه العناصر الأرضية، بالروح السماوية، والنفس النباتية بحواس الحيوانات الدنيا والعقل الإنساني، وعقل الملائكة، وصورة الإله»(١٧)، ثم قال على لسان الله نفسه تلك العبارة التي قالها لآدم وعدها دليلا من قبل الله على ما للإنسان من إمكانيات لا حد لها:«لقد خلقتك كائناً لست سماوياً ولا أرضياً … لكي تكون حراً في أن تشكل نفسك وتتغلب عليها … في مقدورك أن تنحط فتكون حيواناً، أو أن تولد من جديد في صورة الله». وأضاف بيكو إلى هذه عبارة تنم عن الروح العليا الممثلة في النهضة الفنية:
«تلك هي العطية الإلهية التي لا تعلو عليها خطيئة ما، تلك هي سعادة