من رحلته الخطرة إلى نابلي حياه يوليتيان بأبيات من الشعر تشف عن حب يكاد يزري به وبسيده، ولما مات لورندسو حزن عليه يوليتيان حزناً يجل عن العزاء، ثم أخذ غصنه يذبل شيئاً فشيئاً حتى مات بعد عامين من وفاته في ذلك العام المشئوم الذي مات فيه بيكو عام ١٤٩٤ عندما كشف الفرنسيون إيطاليا.
ولم يكن لورندسو ليبلغ ما بلغه من مرتبة الرجل المكمل، لم يكن له بعض الهوى بالفلسفة، وبعض الشك في الدين، وبعض الانطلاق في الحب، وكان أمير فلورنس المصرفي يدعو إلى صحبته ومائدته لويجي بلتشي Luigi Pulci ويلذ له سماع الهجاء الفظ في قصيدته مرجنتي الأعظم Morgante maggiore. فقد كانت هذه القصيدة الشهيرة التي يعجب بها بيرون تقرأ للورندسو وضيوف بيته بصوت عال فقرة فقرة. وكان لويجي رجلاً قوي الفكاهة منطلقاً فيها، هز مشاعر القصر والأمة كلها باستخدام لغة الطبقات الوسطى، ومصطلحاتها، وأفكارها، في قصص الفروسية الغرامية. وكانت القصص الخيالية التي تصف مغامرات شارلمان في فرنسا، واسبانيا، وفلسطين قد دخلت إيطاليا في القرن الثاني عشر أو قبله، ونشرها في شبه الجزيرة المغنون الجوالون، والشعراء المرتجلون، فتدخل البهجة والسرور على كافة الطبقات. ولكن الذكور العاديين من بني الإنسان كان يوجد فيهم على الدوام نزعة من الواقعية المخادعة، الفتية، الساخرة من نفسها، تصاحب وتكبح جماح الروح الغرامية التي يحبو بها النساء والشباب الأدب والفن. وقد جمع بلتشي هذه الصفات كلها، وألف من القصص الشعبية الخرافية، ومن المخطوطات المحفوظة في مكتبة لورندسو، ومما كان يدور من الحديث حول مائدة لورندسو نفسه- ألف من هذا كله ملحمة تسخر من المردة، والشياطين، والوقائع الحربية التي تفعم بها قصص الفروسية، وتقص من جديد في شعر جدي تارة، وساخرة تارة أخرى، مغامرات الفارس المسيحي