رصد له طالع بأكبر عناية، وبعد أن أقيمت لذلك صلوات دينية في عدة كنائس، وبعد أن وزعت الصدقات زلفى واستدراراً للبركة. وأتم سيموني بولايولو Simone Pollaiuolo (١) هذا البناء بعد أن توفى بينيديتو (١٤٩٧) وأضاف إليه طنفاً جميلاً على مثال طنف آخر شاهده في روما. وفي يوسعنا أن نتصور ما كان ثمة من جمال في داخل هذه الأسوار التي يخيل إلى من يراها أنها سجون، بالنظر إلى مواقدها الفخمة، وهي أروقة ضخمة تستند إلى عمد منحوتة على شكل أزهار تعلوها نقوش بارزة، وظل مجلس السيادة في هذه الأثناء يزيد داره الفذة الجميلة وهي قصر فيتشيو جمالاً على جمالها.
وكان معظم المهندسين مثالين أيضاً، لأن المثالين كانوا أصحاب الشأن الأكبر في زخرفة الأبنية، ونحت أطنافها، وقوالبها وعمدها المربوعة، وتيجانها، وعمد الأبواب واثاث المصطلى، والنقوش البارزة على الجدران، وأماكن القربان، ومواقف المرنمين، والمنابر، وأجران التعميد، وكان جوليانو دا مايانوا هو الذي نحت مواضع المقدسات في الكتدرائية وفي دير فيسولي. وكان آخو بينيديتو هو الذي أتقن فن تلبيس الخشب، واشتهر به إلى حد ماتيوس كورفينوس Mathius Corvinus ملك المجر يطلب إليه صنع صندوقين من الخشب الملبس ويدعوه إلى بلاطه. ولبى بينيديتو الدعوة، وعمل على أن يرسل الصندوقان بعد ذهابه، فلما وصل الصندوقان وأخرجا من غلافهما أمام الملك سقطت منهما القطع الخشبية المطعمة لأن الهواء الرطب قد حلل الغراء الذي يمسكها، ونجح بينيديتو في إعادة القطع إلى أماكنها، ولكنه كره صناعة التلبيس، واتجه من ذلك الوقت إلى فن النحت فنبغ فيه أعظم نبوغ، حتى لا نكاد نجد من تماثيل العذراء ما هو أجمل من تمثال مادنا الجالسة على العرش، ولا من
(١) وقد لقب الكروناكا Cronaca نسبة إلى السجل الحي الذي كتبه عن أسفاره ودراساته.