من غير رجال الدين، أضافوا إلى الموضوعات الدينية القديمة قصصاً من الأساطير اليونانية والرومانية، وأنماطاً من التمجيد الوثني للجسم؛ وجاءوا بالطبيعة إلى مَرْسَمِهم، واندمجوا هم في الطبيعة، فلم يكن شئ في بني الإنسان أو في الطبيعة يبدو في نظرهم غريباً على الفن، ولم يكن ثمة وجه مهما بلغ من القبح لا يستطيع الفن أن يكشف عما فيه من معنى خفي وضاء. لقد كانوا يسجلون العالم؛ ولما أن جعلت الحرب والسياسة إيطاليا سجنا ويبابا، ترك الرسامون وراءهم خطوط النهضة وألوانها وحياتها وعواطفها الجائشة، وأخذ الرجال الموهوبون الذين كونتهم هذه الدراسات والذين ورثوا تقاليد مطردة الثراء من الأساليب، والمواد، والأفكار-أخذ هؤلاء الرجال يرسمون خيرا مما كان يرسمه العباقرة منذ قرن من الزمان. ويقول فاساري في لحظة من لحظات فظاظته إن بينتسو جتسولي Benozzo Gozzoli« لم يكن من الأفذاذ الممتازين … ولكنه بز كل من في مثل سنه بمثابرته، لأن بين أعماله الجمة عدداً منها لا يسع الإنسان إلا أن يقول إنها طيبة»(٢٩). وقد بدأ الرجل حياته الفنية تلميذاً من تلاميذ الراهب أنجلكو، وتبعه إلى روما وأرفيتو ليكون مساعداً له في عمله. ثم استدعاه بيرو المريض بالنقرس إلى فلورن، وطلب إليه أن يصور على جدران المعبد في قصر آل ميديتشي رحلة المجوس من الشرق إلى بيت لحم. وهذه الصور هي أروع آيات بينتسو التي صورها في الجص، وهي تتكون من موكب فخم ولكنه موكب حي من الملوك والفرسان في ثياب فخمة، ومن الأتباع والخدم، والملائكة، والصائدين، والعلماء، والأرقاء، والخيل، والفهود، والكلاب، ومن نحو ستة من آل ميديتشي - ومن بينتسو نفسه، وقد أدخل بحيلة ماكرة إلى هذا الاستعراض؛ ومن وراء كل هذا في الصورة خلفيات ومناظر طبيعية جميلة تثير الدهشة. وامتلأ قلب بينتسو وهوا بهذا الظفر العظيم فسافر إلى سان جمنيانو San Gimignano وزين مكان المرنمين في سانت أجستينو Sant' Agstino بسبعة عشر منظراً