للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصنوع من الحجر، وبعضها من النحاس، وبعضها من البرونز، مما قد يدل على أن هذه الثقافة السندية قد نشأت في مرحلة انتقال بين عصر الحجر، وعصر البرونز من حيث المادة التي تصنع منها الآلات (١٠).

وتنهض الدلائل على أن "موهنجو- دارو" كانت في ذروتها حين شيد خوفو الهرم الأكبر، وعلى أنها كانت تتصل مع سومر وبابل (١) بصلات تجارية ودينية وفنية، وأنها ظلت قائمة أكثر من ثلاثة آلاف عام، حتى كان القرن الثالث قبل الميلاد (٢)، ولسنا نستطيع الجزم برأي فيما إذا كانت


(١) هذه الصلات يدل عليها ما وجدناه من أختام متشابهة في موهنجو- دارو وفي سومر (خصوصاً عند كيش) كما يدل عليها ظهور "الناجا" أي الثعبان ذي الغطاء، بين الآثار القديمة فيما بين النهرين (١١)، وفي سنة ١٩٣٢ كشف الدكتور هنري فرانكفورت بين آثار وجدها في قرية "بابلية عيلامية" وهي ما يسمى الآن "بتل أسمر" (بالقرب من بغداد)، كشف عن أختام وخرزات خزفية هي في رأيه (ويوافقه سير جون مارشال) قد جاءتها من موهنجو- دارو حوالي سنة ٢٠٠٠ ق. م.
(٢) يعتقد "ماكدونل" أن هذه المدنية العجيبة قد استمدت أصولها من سومر (١٤) وأما "هول" فيرى أن السومريين قد نقلوا ثقافتهم عن الهند (١٥)، ورأي "وولي" هو أن الثقافتين السومرية والهندوسية القديمة قد جاءتا معاً من أصل مشترك وثقافة مشتركة في بلوخستان أو بالقرب منها (١٦)، ولقد دهش الباحثون حين رأوا أن الأختام المتشابهة الموجودة في بابل وفي الهند ترجع إلى أقدم مراحل الثقافة في أرض الجزيرة (ما بين النهرين)، أي إلى المرحلة السابقة لسومر، لكنها ترجع إلى آخر مرحلة من مراحل المدنية السندية (١٧) - مما يدل على أسبقية الهند، ويميل "تشايلد" إلى الأخذ بهذه النتيجة: "عند نهاية الألف الرابع من السنين قبل الميلاد، تستطيع الثقافة المادية في "أبيدوس" أو "أور" أو "موهنجو- دارو" أن تثبت للمقارنة مع مثيلتها في أثينا أيام بركليز، أو مع أية مدنية شئت من مدن القرون الوسطى … وإذا حكمنا بفن بناء المنازل وخراطة الأختام ورشاقة المصنوعات الخزفية، وجدنا أن المدنية السندية كانت سابقة للبابلية في بداية الألف الثالث من السنين (حوالي ٣٠٠٠ ق. م) غير أن ذلك كان مرحلة متأخرة في الثقافة الهندية، ومن الجائز أن قد كان لها زعامة لا تقل عن هذه في الأزمنة السابقة لذلك العهد، ألم تكن - إذن - المبتكرات والمكتشفات التي تتميز بها المدنية السومرية النمط، نباتاًً أنتجته تربة بابل نفسها وتعهدته في مراحل تطوره، بل كانت أثراً من آثار الإيحاء الهندي؟ ولو صح ذلك، فهل جاء السومريون أنفسهم من السند، أو على الأقل من مناطق تقع تحت تأثيرها المباشر؟ (١٨) هذه الأسئلة المثيرة للخيال لا يمكن الإجابة عنها الآن، لكنها تذكرنا بأن تاريخاًً نكتبه للمدنية قد يبدأ- بسبب جهلنا البشري - عند نقطة ربما كانت في حقيقة أمرها مرحلة متأخرة في مجرى التطور الثقافي.