يناقشون في أحد الأيام فقرة من المسلاة الإلهية في بياتسا سانتا ترينيتا Piazza Santa Trinita. وشاهدوا في أثناء النقاش ليوناردو مارا بهم فأوقفوه وسألوه أن يشرح لهم. وظهر ميكل أنجيلو في هذه اللحظة، وكان معروف عنه أنه قد درس دانتي دراسة متقنة. فقال ليوناردو:((هاهو ذا ميكل أنجيلو، وسيشرح لكم هذه الأشعار)). وظن هذا الجبار الشقي أن ليوناردو يسخر في غضب وازدراء:((أشرحها أنتك يا من صنعت نموذجا لجواد يصب من البرنز ثم عجزت عن صبه، وتركته دون أن تتمه، فيا للعار: وقد ظنت ديكة ميلان الخصبة أن في طاقتك أن تنجزه)) ويقال إن ليوناردو احمر وجهه خجلا، ولكنه لم ينبس ببنت شفة، وسار ميكل أنجيلو في طريقه وهو يكاد يتمزق من الغيظ (٢١).
وأعد ليوناردو صورته التمهيدية بعناية فائقة، فزار موضع المعركة في أنغياري وقرأ التقارير التي كتبت عنها، ورسم عدة صور تخطيطية للخيل والرجال في معمعان القتال أو في حشرجة الموت، وأتيحت له وقتئذ، ما لم يتح له إلا قليلا في ميلان، فرصة إدخال الحركة على فنه، فأفاد منها أكبر فائدة من هول منظره. ذلك أن أحدا من أهلها لم يكن يظن أن أرق الفنانين في فلورنس يستطيع أن يتخيل أو يصور هذه المذبحة الوطنية. ولعل ليوناردو قد أفاد في هذا العمل من تجاربه في حملات سيزارى بورجيا، فاستطاع أن يعبر في صورته عن الأهوال التي ربما رآها أو استخرجها من عقله. ولم يحل شهر فبراير من عام ١٥٠٥ حتى كان قد فرغ من صورته التمهيدية وشرع يرسم صورته الوسطى - معركة الأعلام - في بهو الخمسمائة.
ولكن شرع الرجل الذي درس الطبيعة والكيمياء والذي لم يكن قد عرف بعد مصير صورة العشاء الأخير وقع مرة أخرى في خطأ موبق. ذلك أنه كان يجري بعض التجارب التي تستخدم فيها الحرارة، ورأى أن يثبت الألوان