على أن تشككه ونزعته التجارية لم يحولا بينه وبين السخاء في بعض الواقف (١٧)، أو بينه وبين إنتاج أرق الصور وأكثرها خشوعاً وتعبداً في عصر النهضة. ومن هذه الصور صورة جميل للعذراء رسمها للكرتوزا دي بافيا (وهي الآن في لندن)؛ ومنها صورة مجدلين التي تعزى إليه والمحفوظة في متحف اللوفر، وهي صورة لخاطئة جميلة مجيلة لا يحتاج الإنسان معها إلى الرحمة الإلهية لكي يعفو عن خطيئتها. ورسم لراهبات سانتا كلارا بفلورنس صورة الدفن كانت ملامح النساء فيها ذات جمال نادر، ووجوه الشيوخ من الرجال تفصح عن حياتهم، وخطوط التأليف فيها تلتقي على جثة المسيح التي لا دم فيها، تحتوي على منظر طبيعي من الأشجار الرفيعة النامية على منحدرات صخرية، وعلى بلدة بعيدة قائمة على جوٍ هادئ؛ وكل هذه تخلق جواً من الهدوء وعلى منظر الموت والأحزان. والحق أن هذا الرجل كان يستطيع أن يصور وأن يبيع.
وعرف أهل بيروجيا آخر الأمر قدره من نجاحه في فلورنس. فلما أعتزم تجار الميدان أن يزينوا غرفتهم، أفرغوا ما في جيوبهم من مال في سخاء المتوانين المتراخين، وعهدوا بالعمل إلى بيتور فانوتشي. وساروا على مزاج ذلك العصر ومشورة أحد علماء بلدتهم، فطلبوا إليه أن يزين قاعة الاجتماع بمزيج من الموضوعات المسيحية والوثنية: فيزين السقف بصورة للكواكب السبعة والبورج؛ وأن ترسم على أحد الجدران صورة مولد المسيح والتجلي؛ وعلى جدار آخر صورة الأب الخالد، والأنبياء، وست سيبيلات "عرافات" وثنيات تشير إلى ما سيرسمه ميكل أنجيلو من نوعها فيما بعد. ورسم على جدار غيره الفضائل الأربعة الروحانية يمثل كلا منها أبطال من الوثنيين: الفطنة يمثلها نوما Numa، وسقراط؛ وفابيوس؛ والعدالة يمثلها بتاكوس Pittacus، وفيوريوس Furius، وتراجان، والجلد ويمثله لوسيوس، وليونداس، وهوراشيوس ككليس Horatius Cocles والاعتدال يمثله بركليز وسنسناتوس واسكبيو Scipio، ويبدو أن هذا كله