وأخرج منتينيا في شيخوخته صورة وثنية أخيرة، فقد تخلى في صورة بانسس Parnassus المحفوظة في متحف اللوفر عما اعتاده قبل من تصوير الحقيقة لا الجمال، فقد استسلم ساعة من الزمن للأساطير المنافية للأخلاق، ورسم صورة عارية لفينوس على عرشها فوق جبل بارنسس بجوار المريخ حبيبها المحارب، وصور في أسفل الجبل أبلو وربات الفنون يمجدان جمالها بالرقص والغناء. وأكبر الظن أن إحدى تلك الربات هي الدرة اليتيمة إزبلا دست زوجة جيان فرانتشيسكو وكانت وقتئذ أعظم سيدات البلاد.
وكانت هذه آخر صور منتينيا العظيمة، وكانت السنون الأخيرة من حياته قد خيم عليها الحزن بسبب ضعف صحته، وحدة أخلاقه، وتراكم الديون عليه. وقد ساءه ما كانت تدعيه إزبلا لنفسها من حقها في فرض دقائق الصور التي تطلب إليه رسمها؛ ولهذا آثر العزلة وهو غاضب ناقم، وباع معظم مجموعاته الفنية وانتهى به الأمر أن باع بيته. ووصفته إزبلا في عام ١٥٠٥ بأنه:"يستسلم للبكاء والاضطراب؛ غائر الوجه إلى حد يبدو معه أقرب إلى الموت منه إلى الحياة"(٣). ومات بعد عام من ذلك الوقت في سن الخامسة والسبعين. وأقيم على قبره في سانت أندريا تمثال نصفي من البرنز لعله من صنع منتينيا نفسه في فنه مدى نصف قرن من الزمان، حتى إنهدت قواه وتشعبته الأحزان. ذلك أن الذين يبغون "الخلود" يجب أن يبتاعوه بحياتهم.