وكانت هذه الصور التسع المرسومة على القماش بالألوان الزلالية قد صممت قد تزدان بها قاعة فيتشيا Vecchia في قصر الدوق، ثم باعها دوق معسر من أدواق مانتوا إلى تشارلز الأول ملك إنكلترا، وهي الآن في قاعة هامبتن. ويصور هذا الفريز (١) الضخم البالغ طوله ثمانياً وثمانين قدماً موكباً من الجنود، والقسيسين، والأسرى، والعبيد، والموسيقيين، والمتسولين، والفيلة، والثران، والأعلام، وأنصاب الانتصار، والغنائم كلها تحف بالقيصر وهو راكب في مركبة تتواجه إلهة للنصر. ويعود منتينيا في هذه الصورة إلى موضوعه الأول المحبوب وهو روما القديمة، ويرسم مرة أخرى كما يعمل المثال، ولكن أشخاصه يجيشون وينبضون بالعمل؛ وتستطيع العين أن تتبع الصور رغم ما فيها من عشرات التفاصيل الجميلة حتى تنتهي إلى آخرها وهو حادث التتويج؛ وقد اجتمع في هذا العمل المجيد كل ما وهبه الفنان من جمال التأليف، والرسم، والمنظور، والملاحظة الدقيقة، فأصبح بذلك خير آيات هذا الفنان العظيم.
واستجاب منتينيا في السبع السنين التي انقضت بين بداية صورة انتصار قيصر والانتهاء منها إلى دعوة من إنوسنت الثالث، وصورة عدة مظلمات (١٤٨٨ - ١٤٨٩) بادت كلها فيما باد بفعل عوادي الزمن في روما. لكن منتينيا أخذ يشكو من شح البابا، بينا كان البابا يشكو من قلة صبره، فعاد إلى مانتوا، واختتم حياته الكثيرة الإنتاج بمائة صورة في موضوعات دينية؛ أخذ فيها ينسى قيصر ويعود إلى المسيح. وأشهر هذه الصور كلها وادعاها إلى النفور صورة المسيح الميت Cristo Morto ( المحفوظة في بريرا)، وتمثل المسيح راقداً على ظهره، وقد رسمت قدماه كبيرتين في مقدمة الصورة ومتجهتين نحو الناظر؛ وهو يبدو فيها أشبه بجندي مغامر مأجور منه بإله خارت قواه.
(١) الفريز لفظ معرب ومعناه قماش الصوف الخشن. (المترجم)