للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنا ليصعب علينا في هذه الأيام الثائرة التي يضطرب فيها عالمنا حتى في وقت السلم بألفاظ العدوان، والقتال، والمنافسات الحادة، نقول إنا ليصعب علينا في هذه الأوقات أن نجد شيئاً من الطرافة في أحداث الحروب والغرام التي تقع لأرلندو، ورينلدو، واستلفو، ورجييرو، وأجرمنتي، ومرفيزا Marfiza، وفيورديليسا Fiordelisa، وسكربنتي Sacripante، وأجريكاني Agricane، وإن أنجلكا التي كان يسعها أن تستثير عواطفنا بجمالها لتبعث في نفوسنا السآمة بما تمارسه من فنون السحر والقوى الغيبية؛ ذلك أننا لم نعد تسحرنا الساحرات في هذه الأيام. تلك قصص تليق بمستمعين حسان في ظلل قصر، أو بين أسوار حديقة، ويؤكد المؤرخون لنا أن الكونت كان يقرأ هذه المقطوعات الشعرية في بلاط فيرارا (٩)، وما من شك في أنه كان يقرأ مقطوعة أو مقطوعتين في كل جلسة. ونحن نظلم بوياردو وأريستو حين نريد أن نقرأ لهما ملحمة في جلسة واحدة، ذلك أنمها كانا يكتبان لجيل وطبقة من أهل الفراغ، كما أن بوياردو كان يكتب لإنسان لم يشهد غزو شارل الثامن لإيطاليا. فلما أن حل بها ذلك الإذلال الذي فتح عيونها لأحداث الدهر، وأبصرت ما هي عليه من ضعف، وأدركت أن ما فيها من فن وشعر لا يصد عنها قوى الشمال التي لا ترحم، دب اليأس في قلب بوياردو، فألقى بقلمه بعد أن كتب ستين ألف بيت وكتب هذه الموشحة التي نفس بها عن يأسه:

أي إلهي المنقذ! إني وأنا أغنى.

أرى إيطاليا تلتهب وتندلع فيها النيران.

رماها بها أولئك البالغون، تندفع شجاعتهم العظيمة،

فيتقدمون ليحيلوا جميع أرجائها صحارى وقفاراً.

وظل آخر أيامه طيب الفعل، وكأنما كان حكيماً إذ مات (١٤٩٤) قبل أن يبلغ الغزو عنفوانه؛ ولم تثر عواطف الفروسية النبيلة التي كانت