ولكن عقد البيع ألغي في اليوم الثاني لأن المشتري الجديد وجد الجارية حاملاً (٢١).
ولم تكن الطبقات العليا متعطلة خاملة رغم ما كانت تستمتع به من نعيم؛ فقد كان الكثيرون منهم حين يبلغون أشدهم يشتغلون بالتجارة، والأعمال المالية، والدبلوماسية، وفي شئون الحكم والحرب، ويظهرهم ما لدينا من صورهم أيضاً رجال جد أقوياء الشعور بما عليهم من واجبات. وكانت أقلية منهم تلبس الحرير والفراء، ولعلها كانت تفعل ذلك لتسر المصورين الذين كانوا يرسمونها؛ وكانت طائفة من شبان الطبقات الموسرة - مثل جماعة الجورب La Compagna della Scalza - تزدهي بصدرياتها الضيقة، وخزها المقصب، وجواربها المخططة المطرزة بخيوط الذهب أو الفضة، أو المطعمة بالجواهر. لكن كل شاب شريف كان يخفف من فخامة ثيابه حين يصبح عضواً في المجلس الأكبر؛ فقد كان يطلب إليه حينئذ أن يرتدي ((الطوجة)) (الشملة الرومانية)، لأن هذا الثوب يكاد يضفي الكرامة على كل من يلبسه من الرجال، والسرية والخفاء على كل من تأتزر به من النساء. وكان الأشراف يكشفون عن ثرائهم الخفي من حين إلى حين في قصورهم الفخمة بالمدينة، أو في حدائق بيوتهم الريفية في مورانو Murano أو غيرها من ضواحي حين يستقبلون بالذبح زائراً أو يحيون ذكرى حادث خطير في تاريخ المدينة أو الأسرة. من ذلك أن الكردنال جريماني Grimani أعد حفلة استقبال لرانتشيو فرنيزي Ranuccio Farnese (١٥٤٢) ، دعا إليها ثلاثة آلاف ضيف، جاء معظمهم في قمرات بالجندولات، مفرشة بالمخمل والوسائد المريحة، وأعد لهم الموسيقى والألعاب البهلوانية، والمشي على الحبال، والرقص، والطعام والشراب. لكن أشراف البندقية كانوا في الأحوال العادية، معتدلين في حياتهم، وفي طعامهم وشرابهم، وثيابهم، وكانوا يعملون لكسب بعض ما ينفقون.