بيد أنها مع ذلك كانت لها حياة ثقافية سليمة خاصة بها. وكان مصوروها في الدرجة الثانية بعد مصوري البندقية، أما مهندسوها المعماريون، ومثالوها، وحافرو الخشب فيها، فلم يفقهم أحد في العاصمة الجليلة العظيمة. وتوحي مقابر آل اسكالجلير Scaligers التي أقيمت في القرن الرابع عشر بأن المدينة لم ينقصها الفنانون، وإن كانت هذه المقابر مسرفة في زخرفها؛ وتمثال الفارس القائم في كان جراندي ديلا اسكالا Can Grande della Scala وما يرى على جواده من جُلّ منساب يمثل الحركة أصدق تمثيل، وهذا التمثال لا يسمو عليه آيات دناتيلو وفيروتشيو الفنية. وكان أعظم من يسعى إليه من حفارين على الخشب في إيطاليا هو الراهب جيوفني دا فيرونا (الفيروني). وكان يعمل في عدة مدن، ولكنه وهب جزءاً كبيراً من حياته لحفر مواقف المرنمين في كنيسة سانتا ماريا في أرجانو مسقط رأسه وترصيعها.
وأعظم الأسماء في فن العمارة الفيورني هو الراهب جيوكندا Gioconda (( العبقري النادر الجامع)) كما يسميه فاساري. وكان جيوكندا هذا ضليعاً في الأدب اليوناني، وعالماً في النبات، وجامعاً للعاديات، وفيلسوفاً، ومتفقهاً في الدين، كما كان هذا الراهب الدمنيكي فوق ذلك من كبار المهندسين والمعماريين في زمانه. وهو الذي أخذ عنها العالم الذائع الصيت يوليوس قيصر اسكالجير اللغتين اللاتينية واليونانية، وكان يوليوس هذا يمارس الطب في فيرونا قبل أن ينتقل لفرنسا. ونسخ الراهب جيوكندا النقوش الموجودة على الآثار القديمة في رومة، وأهدى كتاباً في هذا الموضوع إلى لورندسو ده ميديتشي. وكان من ثمار بحوثه أن كشف الجزء الأكبر من آثار بلني فم مجموعة قديمة من الرسائل في باريس؛ وقد أقام وهو في هذه المدينة جسرين على نهر السين؛ ولما تعرضت المياه الضحلة التي تجعل وجود البندقية بشكلها الحالي مستهدفاً إلى الانطمار بسبب رواسب