على أننا ليس من حقنا أن نستنتج من هذا أن كريجيو لم يكن إلا رجلاً شهوانياً يميل إلى تصوير الأجسام. لقد كان يحب الجمال حباً ربما يكون عارماً، ولعله أسرف في إبراز ظاهر هذه الموضوعات الأسطورية دون غيرها، ولكنه في صور العذراء قدر الجمال الأشد عمقاً من هذا حق قدره. وبينما كانت فرشاته تجول في صور جبل أولمبس، كان هو نفسه يعيش معيشة رجل الطبقة الوسطى المنتظم المخلص لأسرته، الذي لا يكاد يترك داره إلا ليقوم بعمل، ويقول عنه فاسارى إنه ((كان يقنع بالقليل، ويعيش كما يجب أن يعيش المسيحي الصالح))، ويقال إنه كان حيياً مكتئباً؛ ومنذا الذي لا يكتئب وهو يأتي كل يوم إلى عالم من كبار مشوهين بعد أن تراوده في مرسمه أحلام الجمال.؟
ولعل نزاعاً قد شجر حول أجر العمل في الكتدرائية؛ وشاهد ذلك أن تيشيان سمع أصداء هذا النزاع تترد في بارما حين زارها، وقال إنه لو أن القبة قلبت وملئت بالدوقات لما وفى ملؤها بأجر كريجيو نظير ما صوره فيها. ومهما يكن من هذا الأمر فأن مسألة الأجر هذه كان لها شأن عجيب في احتضار الفنان. ذلك أنه تلقى في عام ١٥٣٤ قسطاً من هذا الأجر قدره ستون كروناً (٧٥٠؟ دولاراً) كلها من النحاس. وحمل الفنان هذا الحمل المعدني وسافر من بدوا راجلاً؛ واشتد الحر عليه، فأسرف في شرب الماء، فانتابته الحمى، ومات في مزرعته في اليوم الخامس من شهر مارس في عام ١٥٣٤ في سن الأربعين (ويقول بعضهم إنه كان في سن الخامسة والأربعين).
وإذا ما أحصينا أعماله المجيدة التي قام بها في حياته القصيرة هالتنا كثرتها. فهي أكثر مما قام به ليوناردو، أو تيشيان، أو مايكل أنجيلو أو أي فنا آخر غير رفائيل في السنين الأربعين الأوائل من حياته، وكريجيو لا يقل عنهم جميعاً في رشاقة الخطوط. وفي حسن الهيكل الخارجي،