كتاب قصة الحضارة

إيمليا وأقاليم التخوم - على طول طريق إيمليا - ج: 19 - ص: 302

وملائكة، وغلمان مغنيين، وفنون وعلوم مجسدة، مزخرفة بالحروف الأولى من أسمى سجسمندو وإيستا. وقد وصف الباب بيوس الثاني، وهو من المولعين بالفنون الرومانية القديمة، هذا البناء الجديد بأنه هيكل نبيل ملئ بالرموز الوثنية إلى حد يبدو معه كأن الضريح لم يكن لمسيحيين بل لكفة يعبدون آلهة الكافرين)) (١٤).

وأرغم البابا بيوس سجسمندو في معاهدة مانتوا (١٤٥٩) أن يرد إمارته إلى الكنيسة، ولما استعاد الطاغية الجريء قبضته عليها، قذفه البابا بقرار الحرمان، واتهمه بالإلحاد، وقتل الأقارب، ومضاجعة المحارم، والزنا، والاغتصاب، والحنث في الإيمان، والغدر، وتدنيس المقدسات (١٥). وسخر سجسمندو من هذا القرار وقال إنه لم ينقص كثيراً من تمتعه بالطعام والخمر (١٦)، ولكن صبر الباب العالم وأسلحته ودهائه تغلبت عليه؛ وانتهى الأمر حين خر سجسمندو في عام ١٤٦٣ راكعاً أمام مندوب بابوي، وأسلم دولته إلى الكنيسة، وغفرت له ذنوبه. ولكن حميته المتأججة أدت به إلى أن يقود جيشاً من البنادقة، انتصر به على الأتراك في عدة وقائع، وعاد إلى ريمنى ومعه جائزة بدت له من أثمن الجوائز، لا تقل قيمة عن عظام أعظم القديسين - وهي رماد جمستوس بليثو Gemistus Pletho الفيلسوف اليوناني الأفلاطوني الذي كان قد اقترح فعلاً استبدال العقدية الأفلاطونية الوثنية بالدين المسيحي. ودفن سجسمندو كنزه الثمين في قبر فخم بجوار هيكله؛ ومات بعد ثلاث سنين من ذلك الوقت (١٤٦٨)، ومن حقه علينا ألا نغفله في الصورة المركبة التي نرسمها لعصر النهضة.

وإذا كان سجسمندو يمثل الأقلية الصغيرة، ولكنها الأقلية ذات النفوذ، التي رفضت جهرة، إلى حد قليل أو كثير، العقيدة المسيحية السائدة في العصور الوسطى، نقول إذا كان سجسمندو يمثل هذه الأقلية، فما علينا إلا ننحدر بإزاء ساحل البحر الأدرياوى من ريمنى إلى أقاليم التخوم