الكامل السلوك الذي يمتاز به. وقد تمثل كستجليونى تلك الرفقة المهذبة في أربينو تبحث هذا الموضوع؛ ولعله نقل بعض الأحاديث التي سمعها فيها بعد أن هذبها وصقلها؛ وقد ذكر أسماء الرجال والنساء الذين كانوا يتحدثون هناك، وخلع عليهم من العواطف ما يتفق مع أخلاقهم. فنراه مثلاً ينطق بمبو بنشيد في الحب العذري ثم يبعث بالمخطوط إلى بمبو ليسأله هل يعترض بعد أن أصبح الأمين المعظم للبابا على استخدام اسمه على ذلك النحو؛ وأجاب بمبو السمح بأنه لا اعتراض له على هذا العمل. على أن المؤلف الحي رأى مع هذا أن يحتفظ بالمخطوط فلا ينشره حتى عام ١٥٢٨، ولم يعطه إلى العالم قبل موته بعام واحد إلا لأن بعض أصدقاؤه اضطروه إلى هذا بنشرهم نسخاً منه في روما. ولم تمض على نشره عشر سنين حتى ترجم إلى اللغة الفرنسية، وفي عام ١٥٦١ ترجمه سير تومس هوبى Sir Thomas Hoby إلى اللغة الإنكليزية ترجمة قوية منمقة العبارة جعلته من أشهر كتب ذلك العصر يقرؤه كل متعلم في عصر الملكة إلزبث.
وكان كستجليونى يميل إلى الاعتقاد، وإن لم يكن واثقاً كل الثقة من اعتقاده هذا، أن أول ما يشترط في الرجل المهذب الكامل أن يكون كريم المحتد، ذلك بأن من أصعب الأمور أن يكسب الإنسان كرم الأخلاق ورشاقة الجسم وحسن العقل إلا إذا نشأ بين أشخاص يتصفون بتلك الصفات؛ وقد خيل إليه أن الأرستقراطية مهد الأخلاق الطيبة، ومستقرها، والقدرة على تذوقها، وهي مرباها وأداة انتقالها. كذلك يجب أن يجيد السميذع - الرجل الكامل المهذب - من أوائل حياته ركوب الخيل، وأن يتعلم فنون الحرب، ويجب أن لا يبالغ في التحمس لفنون السلم والآداب إلى حد يضعف في المواطنين الصفات الحربية التي إذا إنعدمت في أمة كان مصيرها الاستعباد. على أن كثرة الحروب تحيل الإنسان وحشاً ضارياً؛ ذلك أنه يحتاج، فضلاً عن الصلابة الناشئة