الأرض … في هذا الضرب من تعاقب أوجه الوجود. ما غناء إشباع الرغبات، مادام بعد إشباع الإنسان لها، سيعود إلى هذه الأرض من جديد مرة بعد مرة"؟ (١٠٤)
وأول درس سيعلمه حكماء اليوبانشاد لتلاميذهم المخلصين هو قصور العقل، إذ كيف يستطيع هذا المخ الضعيف الذي تتعبه عملية حسابية صغيرة أن يطمع في أن يدرك يوماً هذا العالم الفسيح المعقد، الذي ليس مخ الإنسان إلا ذرة عابرة من ذراته؟ وليس معنى ذلك أن العقل لا خير فيه، بل إن له لمكانه متواضعة، وهو يؤدي لنا أكبر النفع إذا ما عالج الأشياء المحسوسة وما بينها من علاقات، أما إذا ما حاول فهم الحقيقة الخالدة، اللانهائية، أو الحقيقة في ذاتها، فما أعجزه من أداة! فإزاء هذه الحقيقة الصامتة التي تكمن وراء الظواهر كلها دعامة لها، والتي تتجلى أمام الإنسان في وعيه، لابد لنا من عضو آخر ندرك به ونفهم، غير هذه الحواس وهذا العقل "فلسنا ندرك "أتمان"(أي روح العالم) بالتحصيل، لسنا نبلغه بالنبوغ وبالاطلاع الواسع على الكتب … فليطرح البرهمي العلم ليجعل من نفسه طفلاً … لا يبحثن البرهمي عن كلمات كثيرة، لأنها ليست سوى عناء يشق به اللسان" (١٠٥)، فأعلى درجات الفهم- كما كان سبينوزا يقول- هو الإدراك المباشر، أو نفاذ الرأي إلى صميم الأمر بغير درجات وسطى، إنه-كما كان الرأي عند برجسون- هو البصيرة، التي هي بصر باطني للعقل الذي أغلق- متعمداً- كل أبواب الحس الخارجي ما استطاع إلى ذلك من سبيل أن "براهمان" الواضح بذاته، قد تخلل فتحات الحواس من داخل حتى لقد استدارت هذه الفتحات إلى الخارج، ومن ثم كان الإنسان ينظر في الخارج، ولا ينظر إلى نفسه في داخل نفسه، أما الحكيم الذي يغلق عينيه ويلتمس لنفسه الخلود، فيرى النفس في دخيلته"(١٠٩).
فإذا ما نظر الإنسان إلى طوية نفسه ولم يجد شيئاً على الإطلاق، فذلك لا يقوم إلا على دقة استبطانه، لأنه لا يجوز لإنسان أن يتوقع مشاهدة