الحربي والمالي، واشتباك الأحوال السياسية الأوربية بالإيطالية، والشئون الكنسية بالزمنية؛ وظلت وتلك حالها تكافح قروناً طوالا للمحافظة على ممتلكاتها التقليدية وتحول بينها وبين أن يمتلكها رؤساء العصابات الأفّاقون المستأجرون، وأن تعتدي عليها الدول الإيطالية الأخرى. مثال ذلك أن ميلان حاولت أكثر من مرة أن تمتلك بولونيا، وأن البندقية استولت على رافنا، وحاولت أن تضم إليها فيرارا، وأن نابلي حاولت أن تبسط سلطانها على لاتيوم. وقلّما كان البابوات يعتمدون في صد هذه الهجمات على جيشهم الصغير المؤلف من الجنود المرتزقين، بل كانوا يثيرون هذه الدول الطامعة بعضها على بعض؛ لينشئوا بذلك نوعاً من توازن القوى السياسية، ويحاولون أن يحولوا بين أية واحدة منها وبين أن يصبح لها من القوة ما يمكّنها من أن تلتهم الأملاك البابوية. ولقد كان مكيفلي وجوتشيارديني Guicciardini محقيّن حين أرجعا بعض أسباب تمزّق إيطاليا إلى هذه السياسة البابوية؛ ولقد كان البابوات على حق في الجري عليها لأنها كانت سبيلهم الوحيدة للمحافظة على استقلالهم الروحي والسياسي عن طريق سلطانهم الزمني.
وأحس البابوات بوصفهم حكّاماً سياسيين أنهم مضطرّون إلى استخدام نفس الأساليب السياسية التي يستخدمها أندادهم الحكّام الزمنيون. فكانوا يوزعون- وأحياناً يبيعون- المناصب والرتب الكهنوتية إلى ذوي النفوذ، حتى القصَّر منهم، لكي يوفوا بما عليهم من الديون السياسية، أو يحققوا أغراضاً سياسية، أو يكافئوا أو يعينوا رجالاً من الأدباء أو الفنانين. وكانوا يزوجون أقاربهم في الأسر ذات القوة السياسية. وكانوا يستخدمون الجيوش كما فعل يوليوس الثاني، أو أساليب الخداع كما استخدمها ليو العاشر (٥)، للوصول إلى أغراضهم. وكانوا يغضّون النظر عن قيام درجات من البيروقراطية الخسيسة ـ كانوا يفيدون منها في بعض الأحيان- أكبر الظن