الإيطاليين صمموا أن يحتفظوا بالمجمع المقدس إيطالياً صميماً؛ وكان تصميمهم هذا مبنياً على أسباب شخصية وعلى خوفهم من أن البابا الغير الإيطالي قد يعيد الانشقاق إلى العالم المسيحي بانحيازه إلى بلاده، أو بنقل كرسي البابوية من إيطاليا. ولم يجابه أحد إينياس بذنوب شبابه، ولم يتردد الكردنال ردريجو المرح في أن يدلي له بصوته في غير مواربة؛ وأحست الكثرة الغالبة أن الكردنال بكولوميني، وإن لم يرتد القلنسوة الحمراء (١) إلاّ من عهد قريب، كان واسع التجربة، كما كان دبلوماسياً ناجحاً واسع الاطلاع على شئون ألمانيا المتعبة، وعالماً يرفع بعلمه مكانة البابوية.
وكان وقتئذ في الثالثة والخمسين من العمر، وكانت حياته الكثيرة المغامرات قد أثرت كثيراً في صحته حتى بدا وكأنه شيخ طاعن في السن. وبينما هو مسافر من هولندا إلى إسكتلندة (١٤٣٥)، إذ اضطرب البحر اضطراباً بعث في نفوس المسافرين أشد الهول والانزعاج - حتى لقد استغرقت الرحلة من سلويس Sluys إلى دنبار Dunbar اثني عشر يوماً - فأقسم إذا نجا أن يسير حافي القدمين إلى أقرب ضريح للعذراء. وحدث أن كان هذا الضريح في هويت كيرك Whitekirk على بعد عشرة أميال من المكان الذي نزل فيها. وبرَّ بيمينه، ومشى المسافة كلها وهو حافي القدمين فوق الثلج والجليد، وأصيب بداء الرثية وظل يعاني منه أشد الآلام ما بقى من حياته، ولم يحل عام ١٤٥٨ حتى كان مصاباً بحصاة في الكلوتين، وبسعال مزمن. وغارت عيناه، وامتقع لون وجهه، "ولم يكن في وسع الناس أحياناً" كما يقول بلاتينا "أن يقولوا إنه حي إلاّ حين يسمعون صوته"(٣٣). وكان وهو بابا يعشي عيشة بسيطة يراعي فيها جانب الاقتصاد؛ وكانت نفقات بيته في الفاتيكان أقل ما سجله التاريخ من نفقات هذا البيت.