وكان إذا أمكنته واجبات منصبه يأوي إلى ضاحية في الريف، يعيش فيها كما يعيش القروي الشريف المتواضع لا كما يعيش البابوات" (٣٤). وكان أحياناً يحضر مجمع الكرادلة أو يستقبل السفراء، في ظلال الأشجار أو بين غياض أشجار الزيتون، أو إلى جوار عين باردة أو ماء جار. وكان يسمي نفسه من قبيل التورية سلفارم أماتور Silvarum Amator أي محب الغابات.
وقد اشتق اسمه البابوي من عبارة فرجيل التي يكررها كثيراً وهي prius Aeneas أي إينياس التقي. وإذا جاز لنا أن نتغاضى عمّا في ترجمة هذه الصفة من خطأ قليل أجَلَّه العرف، قلنا إنه عاش عيشة ينطبق عليها هذا الوصف. فقد كان تقيّاً، أميناً في أداء واجباته، خيّراً، متسامحاً، معتدلاً، حليماً، كسب قلوب جميع الناس حتى الساخرين من أهل روما. ولمّا كبر تخلى عن شهوانية شبابه، وأصبح من الناحية الأخلاقية بابا نموذجياً. ولم يحاول قط أن يخفي ما كان له في أيامه الأولى من مغامرات في الحب، أو ما قام به من دعوة للمجالس الكنسية المعارضة للبابوية، ولكنه أصدر قراراً يستنكر فيه ما فعل (١٤٦٣)؛ ويضرع فيه إلى الله وإلى الكنيسة أن يغفرا له أخطاءه وذنوبه. وخاب رجاء الكتّاب الإنسانيين الذين كانوا يتوقعون أن يبسط عليهم البابا ذو النزعة الإنسانية رعايته ويغدق عليهم عطاياه، وذلك حين وجدوا أنه لا يؤدي إليهم أجوراً عالية، وإن كان يستمتع بصحبتهم، وإن عيّن بعضهم في مناصب إدارية في حكومته البابوية؛ بل كان يحتفظ بأموال البابوية ليجهز بها حملة صليبية على الأتراك. على أنه ظل في أوقات فراغه إنساني النزعة: فقد كان يعنى اشد العناية بدراسة الآثار القديمة، ونهى عن تدمي شيء آخر منها؛ وأمن أهل أربينو Arpino لأن شيشرون ولد في تلك المدينة؛ وأمر بترجمة هوميروس ترجمة جديدة، وعين بلاتينا وبيندو في أمانته العلمية. واستقدم مينو دا فيسولي Mino da Fiesole ليقوم ببعض أعمال النحت في كنائس روما، كما استقدم