للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به المثل للمؤرخين الذين جاءوا بعده في الدراسة الواسعة النزيهة.

وكان الكردينال جون بيساريون أداة حية لنقل الثقافة اليونانية التي كانت تدخل وقتئذ إلى إيطاليا. وكان مولده في طربزون، وتلقّى في القسطنطينية دراسة واسعة في العشر، والخطابة، والفلسفة اليونانية؛ وواصل دراسته على الفيلسوف الأفلاطوني الذائع الصيت جمستوس بليثو Gemistus Pletho في مسترا Mistra. ثم قدم إلى مجلس لورنس بوصفه كبيراً لأساقفة نيقية، وكان له شأن عظيم في توحيد الكنيستين اليونانية واللاتينية. ولمّا عاد إلى القسطنطينية، نبذه صغار رجال الدين والشعب هو وغيره من "الاتحاديين". وعيّنه البابا يوجنيوس كردنالاً (١٤٣٩)، وانتقل بيساريون إلى إيطاليا ومعه مجموعة قيّمة من المخطوطات. فلمّا قدم إلى روما أصبح بيته ندوة للكتّاب الإنسانيين؛ وكان بجيو، وفلا، وبلاتينا، من أقرب المقربين إليه من الأصدقاء؛ وكان فلا يسميه "أعلم العلماء الهلنستيين بين اللاتين"، وأكثر العلماء اللاتينيين تهذيباً بين اليونان (٣٥). وقد أنفق كل دخله تقريباً في شراء المخطوطات أو نسخها. وترجم هو نفسه كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو، ولكنه وهو من مريدي جمستوس كان يؤثر عليه أفلاطون؛ وكان يتزعم المعسكر الأفلاطوني في الجدل العنيف الذي حمى وطيسه وقتئذ بين الأفلاطونيين والأرسطوطاليين. وانتصر أفلاطون في هذه الحرب وانتهت بذلك سيطرة أرسطو الطويلة على الفلسفة الغربية. ولمّا عين البابا نقولاس الخامس بيساريون قاصداً رسولياً له في بولونيا ليحكم منها رومانيا وأقاليم التخوم، قام بيساريون بواجبات الحكم خير قيام، فلم يسع إلاّ أن يسميه "ملك السلام". وقد عهد إليه بيوس الثاني بعدة مهام دبلوماسية شاقة في ألمانيا التي أخذت مرة أخرى تغلي فيها مراجل الثورة على الكنيسة الرومانية. ولمّا قربت منيته أوصى بمكتبته إلى مدينة البندقية، حيث لا تزال تكوّن جزءاً لا تقدّر قيمته من المكتبة المرقسية Biblioteca Marciana.