ولقد أفسد هذا النزاع ما كان يبذله البابا من جهود لتوحيد أوربا ضد الأتراك، وجهر يوم تتويجه نفسه بارتياعه الشديد من تقدم المسلمين بازاء نهر الدانوب في طريقهم إلى فينا، واختراقهم بلاد البلقان إلى البوسنة. وكانت بلاد اليونان، وإبيروس، ومقدونية، والصرب، والبوسنة تتساقط كلها في أيدي المسلمين. ومنذا الذي كان يستطيع أن يقول متى يعبرون البحر الأدريادي وينقضون على إيطاليا؟ ولم يمض على تتويج بيوس شهر واحد حتى أرسل إلى جميع الأمراء المسيحيين يدعوهم للانضمام إليه في مؤتمر كبير يعقد في مانتوا ليضعوا الخطط التي تكفل حماية العالم المسيحي الشرقي من تيار العثمانيين الجارف.
ووصل هو إلى مانتوا في السابع والعشرين من مايو عام ١٤٥٩، يرتدي أفخم الأثواب الخاصة بمنصبه الرفيع، واخترق المدينة في محمل يحف به أعيان المدينة وموظفو الكنيسة. وألقى على الجموع المحتشدة لاستقباله خطبة من أقوى الخطب التي ألقاها في حياته وأعظمها تأثيراً. ولكن أحداً من ملوك الأقاليم الواقعة وراء جبال الألب وأمراءها لم يلب الدعوة، بل لم يرسل واحد منهم ممثلين لهم الحق في أن يزجوا بدولتهم في الحرب. ذلك أن النزعة القومية قد بلغت وقتئذ من القوة ما يجعل البابوية تتضرع بغير جدوى أمام عروش الملوك. وحث الكرادلة البابا على الرجوع إلى روما؛ ولم يكونوا فضلاً عن هذا راغبين في أن ينزلوا عن عشر إيرادهم لتمويل الحرب الصليبية المرتقبة. فمنهم من انغمسوا في ملاذهم، ومنهم من جابهوا بيوس بسؤاله هل يريد منهم أن يموتوا بالحمى في صيف مانتوا الشديد الحرارة؟ وانتظر البابا قدوم الإمبراطور زمناً طويلاً؛ ولكن فردريك الثالث آثر أن يعلن الحرب على المجر يريد بذلك أن يضم إلى ملكه الأمة التي كانت أنشط الأمم استعداداً لمقاومة الأتراك، آثر هذا على القدوم لمساعدة الرجل الذي قدم له فيما مضى أجل الخدمات. واشترطت فرنسا لمعونتها أن يؤيدها البابا في حملة لها