وكانت مكتبة الفاتيكان في عام ١٤٧٥ تحتوي ٢٥٢٧ مجلداً باللغتين اللاتينية واليونانية، فأضاف إليها سكستس ١١٠٠ مجلد غيرها، وفتح لأول مرة أبوابها للجماهير. وأعاد الكتّاب الإنسانيين إلى سابق مكانتهم وإن لم يكن يؤدي إليهم الأموال بانتظام لانشغاله عنهم بغيرهم من الأعمال. واستدعى فيليلفو إلى روما، وظل هذا الرجل رب السيف والقلم متحمساً في مديح البابا حتى تأخر له مرتبه السنوي البالغ ٦٠٠ فلورين (١٥. ٠٠٠دولار) واستدعى يوآنس أرجيوبولس Joannes Argyropoulos من فلورنس إلى روما، حيث كانت محاضراته في اللغة اليونانية وآدابها يحضرها الكرادلة، والأساقفة، والطلاب الأجانب مثل ريتشلين. واستدعى سكستس إلى روما كذلك العالم الألماني جوهان مولر رجيو منتانس Johann Muller Regiomontanus ـ وعهد إليه إصلاح التقويم اليولوسي، ولكن مولر توفي بعد عام من مجيئه (١٤٧٦) وكان لابد أن يتأخر إصلاح التقويم مائة عام أخرى (١٥٨٢).
ومن أغرب الأشياء أن يصبح راهب من الفرنسسكان وأستاذ للفلسفة واللاهوت أول بابا يوجه النهضة وجهة دنيوية ـ أو إن شئت الدقة أن يصبح أول بابا من بابوات النهضة يهتم أعظم ما يهتم بدعم سلطان البابوية وجعلها أعظم القوة السياسية في إيطاليا. ولعلنا إذا استثنينا حالة فيرارا Ferrara التي أدى حكامها الأمناء ما عليهم من الالتزامات الإقطاعية، قلنا أن سكستس كان محقاً كل الحق في سعيه لأن يجعل الولايات البابوية بابوية بحق، ولأن يجعل روما وما حولها مكاناً أميناً للبابوات. وربما غفر له التاريخ، كما غفر ليوليوس الثاني اتخاذه الحرب وسيلة لبلوغ هذه الغايات. وربما أقر أن دبلوماسيته لم تكن إلاّ إتباعاً للمبادئ التي كانت تسير عليها الدول الأخرى والتي لا تتقيد بالقيود الأخلاقية. ولكن التاريخ لا يجد شيئاً من المتعة في أن يشهد أحد البابوات يأتمر مع المغتالين، ويبارك المدافع، أو يخوض غمار