يعبدونهم مخلصين لهم العبادة مقيمين لهم الشعائر؛ لكنهم اعتبروا هؤلاء المؤلهين أنفسهم خاضعين للتناسخ والتحلل، ولم يعدوهم خالقين للعالم أو سادة عليه يحكمونه بأي معنى من المعاني (١٩)، وليس معنى ذلك أن الجانتين كانوا يعتنقون مذهباً مادياً خالصاً، لأنهم فرقوا بين العقل والمادة في كل الكائنات، ففي كل شئ، حتى الأحجار والمعادن، أرواح كامنة، وكل روح تحيا حياتها بغير شائبة تلام عليها، تصبح "بارماتمان"- أو روحاً سامية- وكانت تنجو بذلك من التقمص في جسد آخر، مدى حين، على أنها تتقمص جسدها الجديد إذا ما نالت من الجزاء حقها الموفور، ولا ينعم "بالخلاص" الكامل إلا أعلى الأرواح وأكملها؛ ومن هؤلاء تتكون طائفة "الأرْهات"- أي السادة المعظمين- الذين كانوا يعيشون، مثل آلهة أبيقور، في مملكة بعيدة ظليلة، وهم عاجزون عن التأثير في شئون الناس، لكنهم ينعمون بارتفاعهم عن كل احتمال يؤدي إلى عودتهم إلى الحياة (٢٠).
والطريق المؤدية إلى الخلاص في رأي الجانتيين، هي توبة تقشفية، واصطناع "أهْمِساَ" موفورة كاملة، و"أهمسا" معناها الامتناع عن إيذاء أي كائن حي؛ ولزام على كل متقشف جانتي أن يأخذ على نفسه عهوداً خمسة؛ ألا يقتل كائناً حياً، وألا يكذب، وألا يأخذ ما لم يعطه، وأن يصون عفته، وأن ينبذ استمتاعه بالأشياء الخارجية كلها؛ وفي رأيهم أن اللذة الحسية خطيئة دائماً؛ والمثل الأعلى هو ألا تأبه للذة أو ألم وأن تستغني استغناءً تاماً عن الأشياء الخارجية كلها؛ فالزراعة حرام على الجانتي لأنها تمزق التربة وتسحق الحشرات والديدان؛ والجانتي الصالح يرفض أكل العسل لأنه حياة النحل، ويصفى الماء قبل شرابه خشية أن يقتل ما عساه أن يكون كامناً فيه من كائنات؛ ويغطى فمه حتى لا يستنشق مع الهواء أحياء عالقة في الهواء فيقتلها، ويحيط مصباحه بستار حتى يقي الحشرات لذع النار، ويكنس الأرض أمامه وهو يمشي خوفاً من