تحت لوائه إلاّ قوة صغيرة، قام بهذا الواجب بحركة سريعة مدهشة، ومهارة في الفنون العسكرية، واقتصاد في الوسائل. ولمّا عهد إليه أن يحكم وأن يفتح، حبا رومانيا بأكثر ما استمتعت به منذ قرون من عدالة في الحكم ورخاء في السلم. ولمّا أمر بأن يطهر الكمبانيا من الأتباع العصاة المتمردين المشاكسين، قام بهذا العمل بسرعة يصعب على يوليوس قيصر نفسه أن يبزه فيها؛ ولعله حين طافت هذه الأعمال العظيمة برأسه قد راوده الحلم الذي راود بترارك ومكيفلي: وهو أن يهب إيطاليا، بالفتح إذا لزم الأمر، الوحدة التي تمكنها من أن تقف في وجه قوتي فرنسا وأسبانيا المرتكزتين (١). ولكن انتصاراته، وأساليبه، وقوته، وأعماله السرية الخفية، وهجماته السريعة التي لا يحصى لها عدد، جعلته سوط عذاب على إيطاليا بدل أن تجعله عاملاً على تحريرها. ذلك أن عيوبه الخلقية كانت سبباً في القضاء على ما أنجزه من الأعمال بقوته العقلية. وكانت مأساته الأساسية أنه لم يتعلم قط أن يحب.
ولنقل مرة أخرى كلمة موجزة عن لكريدسيا: ألا ما أكبر الفرق بينها وبين أخيها الذي هوى من حالق مجده، في تواضعها، وهناءتها في سنيها الأخيرة. ذلك أنها، وقد كانت في روما مضغة في فم كل نمام،
(١) "أضحت هذه الأمم" -فرنسا، وأسبانيا، وإنجلترا، وهنغاريا- "وقتئذ دولاً ملكية قوية ليس في مقدور تلك الإضمامة المفككة من الدويلات" الإيطالية "أن تقف في وجهها. ولقد كان يسع رجلاً مثل سيزاري بورجيا، في أغلب الظن، أن ينجيها لو أنه كان يقوم بأعماله في أوائل القرن الخامس عشر لا في نهايته … وكان أقرب ما حدث إلى الوحدة فيها هو إقامة سلطة البابا الزمنية التي كان الإسكندر ويوليوس أكبر العاملين عليها. ولسنا ننكر أن ما استخدم من الوسائل لإنشائها كثيراً من ضعف لو لم تنشأ، والثمرة الطيبة التي أثمرها وجودها بعد أن أصبحت هي كل ما بقى في إيطاليا من آثار الكرامة والاستقلال". تاريخ كيمبريدج الحديث، المجلد الأول ص ٢٥٢.