إذا قيست إلى صورتي عبادة المجوس، وموناليزا، وصورة العذراء والطفل، والقديسة آن بدت وكأنها ميتة لا حياة فيها؛ بل إن عذارى بروجينو لم تكن إذا قيست إليها إلا دمى جميلة، أو فتيات غير ناضجات من بنات الريف وهبن على حين غفلة قداسة غير موائمة لهن. تُرى كيف كانت لليوناردو هذه الرشاقة في رسم الخطوط، وهذه المهارة في تصوير الوجوه، وهذا الإتقان في تمثيل ظلال الألوان؟ وما من شك في أن رفائيل قلد صورة موناليزا في صورة مدالينا دوني Maddalena Doni ( المحفوظة في بتي Pitti) ، وإن كان قد حذف منها ابتسامتها لأن سيدة دوني لم تكن فيما يبدو تبتسم؛ ولكنه أجاد تصوير جسم السيدة الفلورنسية القوي المتين البناء، ويديها الناعمتين، المكتنزتين، المتخمتين، اللتين تمتاز بهما صاحبات المال المنعمات، ونسيج الثياب الغالي ذي اللون الجميل الذي يكسب هذا الشكل إجلالاً ومهابة. وصور رفائيل في الوقت عينه زوجها أنجيلو دوني Angelo Doni أسمر اللون، يقظاً، صارماً.
وانتقل من عند ليوناردو إلى الراهب بارتولميو، فزاره في صومعته في سان ماركو، ودهش مما شاهده في فن الراهب الحزين من حنان التعبير، وحرارة الشعور، ورقة الخطوط الخارجية، وانسجام التأليف، وعمق الألوان وكمالها. وزار الراهب بارتولميو رفائيل بعدئذ في روما عام ١٥١٤ ودهش هو أيضاً كما دهش رفائيل قبله من السرعة التي علا بها شأن الفنان المتواضع حتى بلغ ذروة المجد في عاصمة العالم المسيحي. والحق أن رفائيل قد بلغ هذه الدرجة من العظمة لأنه كان في مقدوره أن يسرق بنفس الطهارة التي كان يسرق بها شكسبير، ولأنه كان بمقدوره أن يجرب وسيلة بعد وسيلة وطرازاً بعد طراز، ويأخذ من كل طراز ما فيه من عناصر ثمينة، ثم يخرج ما أخذه منها مدفوعاً بتحمسه للخلق وللإبداع فيجعل منه أسلوباً لا شك في أنه أسلوبه الخاص دون سواه.