يدورون الهواء على أجنحة الأغاني. ويفرق هذا الجمع السماوي ويضمه ملكان في الحشد الأرضي الأسفل منه يمسكان بالإنجيل، ومسهدة (١) تحتو يعلى القربان المقدس. وتجتمع حول هذا المشهد طائفة مختلفة من رجال الدين لتبحث المشاكل اللاهوتية: وتضم هذه الطائفة القديس جيروم، ومعه ترجمته اللاتينية للإنجيل وأسده؛ والقديس أوغسطين يملي كتابه مدينة الله؛ والقديس أمبروز في ثيابه الأسقفية، والبابا أنكليتس Anacletus والبابا إنوسنت الثالث؛ والفلاسفة أكويناس وبنا فنتورا، ودنزاسكوتس؛ ودانتي العنيد، متوجاً بما يشبه الشوك؛ والراهب أنجيلكو الظريف وسفنرولا المغضب (وتمثل صورته انتقاماً آخر ليوليان من الإسكندر السادس)؛ وأخيراً نجد في ركن من الصورة برامنتي صديق رفائيل وحاميه أصلع الرأس دميم الخلقة. وقد وصل الفنان الشاب في جميع هذه الصور البشرية إلى درجة مدهشة من الانفرادية، جعلت كل وجه من وجوههم ترجمة لصاحبه لا يرى العقل ما يمنعه من قبولها؛ وخلع على كثيرين منهم كرامة فوق الكرامة الآدمية تسمو بالصورة كلها وبالموضوع كله وتكسبه جلالاً ونبلاً. وأكبر الظن أننا لا نجد في كل ما رسم قبل ذلك الوقت صورة نجحت في تمثيل ملحمة عظيمة العقيدة المسيحية كما نجحت في تمثيلها هذه الصورة.
ولكن هل يستطيع هذا الشاب نفسه، وهو الآن في الثامنة والعشرين من عمره، أن يمثل - بهذه العظمة ذاتها - الدور الذي يضطلع به العلم والفلسفة بين الآدميين؟ إنّا لا نجد دليلاً على أن رفائيل كان واسع القراءة والاطلاع على الكتب؛ لقد كان يتحدث بفرشاته، ويستمع بعينيه، ويعيش في عالم من الأشكال والألوان ليس للألفاظ فيه إلاّ شأن حقير، إلاّ إذا عبرت عنها الأعمال ذات الخطر التي يقوم بها الرجال والنساء.