فن إلى فن، وكان يخشى أن ينتهي الأمر بولده إلى أن يكلف بقطع الحجارة؛ والحق أن ميكائيل قد استخدم بعض الوقت في القيام بهذا العمل، فكان يقطع الحجارة للمكتبة اللورنتية. ولكن الغلام ما لبث أن أخذ ينحت التماثيل. والعالم كله يعرف قصة تمثال فاون (١) الرخامي. وكيف نحت ميكائيل قطعة من الرخام عثر عليها مصادفة في صورة فاون عجوز، وكيف لاحظ لورندسو وهو مار بهذا التمثال أن هذا الشيخ الطاعن في السن يندر أن تكون أسنانه كاملة كما تظهر في التمثال، فما كان من ميكائيل إلاّ أن أصلح هذا الخطأ بضربة واحدة خلع بها سنّاً من فكه الأعلى. وسر لورندسو من إنتاج الغلام وحسن استعداده، فأخذه إلى بيته وعامله فيه معاملة الآباء للأبناء. وظل الفنان الشاب عامين كاملين (١٤٩٠ - ١٤٩٢) يقيم في قصر آل ميديتشي، يطعم دائماً على مائدة واحدة مع لورندسو، وبولتيان، وبيكو، وفنتشينو، وبلشي Pulci، ويستمع إلى أكثر الأحاديث استنارة في السياسة، والأدب، والفلسفة، والفن. وخصه لورندسو بحجرة طيبة، ووظف له خمس دوقات (٦٢. ٥٠؟ دولار أمريكي) كل شهر لمصروفه الخاص. وكان كل ما يخرجه ميكائيل من التحف الفنية يبقى ملكاً خاصاً به يتصرف فيه كما يشاء.
ولولا بيترو ترجيانو Pienro Torrigiano لكانت هذه السنون التي قضاها ميكائيل في قصر آل ميديتشي سني نشأة سعيدة في حياة الشاب. وتفصيل ذلك أن بيترو ساءه في يوم من الأيام استهزاء ميكائيل "فما كان مني"(كما قال هو نفسه لسلني)"إلاّ أن قبضت يدي ولكمته لكمة على أنفه أحسست معها أن عظمه وغضروفه قد تحطما تحت عظام أصابعي كأنهما بقسماط هش، وسيحمل اثر ضربتي هذه معه إلى قبره"(٢٥). وهكذا كان؛ فقد كان أنف ميكل أنجيلو يبدو طوال الأعوام الأربعة والسبعين
(١) Faun رب الحراج عند الرومان الأقدمين. (المترجم)