وهناك عاد إلى العمل في الرسم التمهيدي لمعركة بيزا. ولم يختر لموضوعه حرباً حقيقية بالذات، ولكنه اختار لها اللحظة التي دعا فيها فجاءة الجند الذين كانوا يسبحون في نهر الآرنو إلى القتال. ذلك بأن ميكل لم يكن يهتم بالمعارك، بل كان يرغب في أن يدرس ويصور أجسام الرجال العارية في كل وضع من الأوضاع؛ وقد أتاح له هذا الموضوع فرصته المرتقبة؛ فقد أظهر رجالاً يخرجون من النهر، وآخرين يجرون لأخذ أسلحتهم، وغيرهم يحاولون أن يلبسوا جوارب في سوقهم المبتلة، وبعضهم يقفزون أو يركبون الخيل، وبعضهم يعدلون دروعهم، وآخرين يجرون إلى المعركة عراياً كما ولدتهم أمهاتهم: ولم يكن في هذه الصورة منظر طبيعي خلفي، لأن ميكل أنجيلو لم يكن يعنى قط بالمناظر الطبيعية، أو بشيء ما في الطبيعة عدا الأجسام البشرية. ولمّا أتم الصورة التمهيدية وضعها إلى جانب صورة ليوناردو في بهو البابا في كنيسة سانتا ماريا نوفلا؛ وظلت الصورتان المتنافستان فيها مدرسة يتلقى منها دروساً في التصوير مائة من الفنانين أمثال أندريا دل سارتو، وألنسو بيرجويتي Alonso Berrugueet، ورفائيل، وياقوبو سان سنوفينو Iacopo San Sanovino، وبيرينو دل فاجا Perino del Vaga، ومائة غيرهم. ونقل تشيليني Cellini صورة ميكل أنجيلو حوالي عام ١٥١٣، ووصفها وصف الشاب المتحمس بقوله إنها:" بلغت من الروعة درجة ليس في كل ما بقى من آيات الفن القديم أو الحديث ما يرقى إلى الذروة التي سمت إليها. ولم يصل ميكل أنجيلو القدسي أيام تقواه فيما بعد إلى نصف الذروة من القوة التي وصّل إليها هذه الصورة، وإن كان قد أتم معبد سستيني العظيم"(٣٤).
تلك مبالغة لا نقول بها نحن. إن الصورة نفسا لم ترسم الرسم النهائي، والرسم التمهيدي قد فقد، ولم يبق من النسخ التي نقلت عنه إلاّ قطع صغيرة. وبينما كان ميكل أنجيلو يعمل في الرسم التمهيدي بعث البابا يوليوس بالرسالة