وهكذا أيها الرهبان، قبل أن أهتدي سواء السبيل، لما وجدتني ممن تجوز عليهم الولادة، بحثت في طبيعة هذه الولادة ماذا تكون؛ ولما وجدتني ممن تجوز عليهم الشيخوخة بحثت في طبيعة هذه الشيخوخة ماذا تكون، وكذلك المرض، وكذلك الحزن، وكذلك الدنس؛ ثم فكرت لنفسي:"مادمت أنا نفسي ممن تجوز عليهم الولادة، فماذا لو بحثت في طبيعتها … فلما رأيت ما في طبيعة الولادة من تعس، جعلت أبحث عمن لا يولد، أبحث عن السكينة العليا، سكينة النرفانا"(٣٠).
إن الموت هو أصل الديانات كلها؛ ويجوز أنه لم يكن هناك موت لما كان للآلهة عندنا وجود؛ هذه النظرات كانت بداية "التنوير" عند بوذا؛ وكما يرتد الإنسان عن دينه في لحظة، كذلك حدث لبوذا أن صمم فجأة أن يترك أباه (١) وزوجته وابنه الرضيع، ليضرب في الصحراء زاهداً؛ ولما أسدل الليل ستاره، تسلل إلى غرفة زوجته، ونظر إلى ابنه "راهولا" نظرة أخيرة؛ وتقول الأسفار المقدسة البوذية، ففي فقرة يقدسها اتباع "جوتاما" جميعاً، أنه في هذه اللحظة عينها:
"كان مصباح يضيء بزيت عبق، وكانت أم "راهولا" نائمة على سرير مليء بأكداس الياسمين وغيره من ألوان الزهور، واضعة راحتها على رأس ابنها؛ فنظر "بوذيساتاوا"- بوذا المنتظر- وقدماه عند الباب، وقال لنفسه:
"لو أزحت يد الملكة لآخذ ابني، فستستيقظ الملكة، وسيكون ذلك حائلاً دون فراري؛ إنني إذا ما أصبحت بوذا سأعود لأراه" ونزل من القصر (٣١).
وفي ظلمة الصباح الباكر خلف المدينة على ظهر جواده "كانثاكا" يصحبه سائق عربته "شونا" وقد تعلق يائساً بذيل الجواد؛ وعندئذ تبدى له "مارا" أمير الشر، وأغواه بمُلك عريض، لكن بوذا أبى عليه غوايته، وظل راكباً جواده حتى صادفه نهر عريض فوثب من شاطئه إلى شاطئه بوثبة