واحدة جبارة وطافت بنفسه رغبة أن ينظر إلى بلده لكنه أبى على نفسه اللفتة ليرى؛ ثم استدارت الأرض العظيمة حتى لا تصبح أمامه سبيل إلى النظر إلى وراء (٣٢).
ووقف عند مكان اسمه "يوروفيلا" يقول: "قلت لنفسي إن هذا المكان رائع، وإن هذه لغابة جميلة؛ فالنهر ينساب صافياً، وأماكن الاستحمام تبعث في النفس السرور، وكل ما حولي مروج وقرى". وهاهنا في هذا الموضوع أخضع نفسه لأشق أنواع التقشف؛ ولبث ستة أعوام يحاول أساليب "اليوجا"- رياض النفس- التي كانت قد ظهرت قبل ذاك في ربوع الهند؛ وعاش على الحبوب والكلأ، ومضى عليه عهد اقتات فيه بالروث، وانتهى به التدرج إلى أن جعل طعامه حبة من الأرز كل يوم، ولبس ثياباً من الوبر وانتزع شعر رأسه ولحيته لينزل بنفسه العذاب لذات العذاب؛ وكان ينفق الساعات الطوال واقفاً أو راقداً على الشوك، وكان يترك التراب والقذر يتجمع على جسده حتى يشبه في منظره شجرة عجوزاً؛ وكثيراً ما كان يرتاد مكاناً تلقى فيه جثث الموتى مكشوفة ليأكلها الطير والوحش، فينام بين هذه الجثث العفنة. ثم اسمع له مرة أخرى يروي لك قصته:
"قلت لنفسي: ماذا لو زممت الآن أسناني، وضغطت لساني إلى لهاتي، وألجمت عقلي وسحقته وأحرقته بعقلي (وهكذا فعلت) ونضح العرق من إبطي … ثم قلت لنفسي: ماذا لو اصطنعت الآن غيبوبة شعورية يقف فيها التنفس؟ وهكذا أوقفت النفس شهيقاً وزفيراً من أنفي وفمي؛ ولما فعلت ذلك سمعت صوتاً عنيفاً للهواء يخرج من أذني … وكما يحدث للرجل إذا ما أراد أن يهشم لإنسان رأسه بسن سيفه، فكذلك رجت الرياح العنيفة رأسي … ثم قلت لنفسي: ماذا لو قللت من طعامي، فلا آكل اكثر مما تسع راحتي من عصير الفول أو العدس أو البسلة أو الحمص … فضمر جسدي ضموراً شديداً، وكان من أثر تقليل الطعام أن أصبحت العلامة التي أتركها على الأرض إذا ما جلست، في هيئة أثر الخف يتركه البعير على الرمال؛ وكان من أثر