أولئك الأشراف القدامى ينحدرون إلى هاوية الاضمحلال الاقتصادي والسياسي، كان دخل بعض الكرادلة يبلغ ثلاثين ألف دوقة في العام (أي نحو ٣٧٥. ٠٠٠دولار)(٣١). فاستطاعوا بذلك أن يسكنوا في مساكن فخمة، يقوم فيها على خدمتهم ثلاثمائة من الخدم في بعض الأحيان (٣٢)، وتزدان بكل ما عرف في ذلك الوقت من روائع الفن والترف. ولم يكونوا يرون أنهم رجال دين بقدر ما كانوا يرون أنهم رجال حكم، ودبلوماسيون، ومديرون؛ لقد كانوا هم مجلس الشيوخ الروماني، وكانوا يريدون أن يحيوا كما أحيا أعضاء مجلس الشيوخ. وكانوا يسخرون من أولئك الأجانب الذين يتطلبون منهم أن يحيوا حياة التقى والعفة التي يحياها القساوسة؛ وكانوا يزنون السلوك، كما يزنه كثيرون من أبناء عصرهم، بموازين الجمال لا بالموازين الأخلاقية، فلم يكونوا يرون بأساً من خرق بعض الأوامر الإلهية إذا تجملوا في خرقها وفعلوا ذلك بظرف وذوق سليم. وقد أحاطوا أنفسهم بالغلمان، والموسيقيين، والشعراء، والكتّاب الإنسانيين، وكانوا من حين إلى حين يتناولون عشاءهم مع محاظي البلاط (٣٣). ويأسفون أشد الأسف لأن ندواتهم كانت خالية من النساء، فها هو ذا الكردنال بينا يقول "إن روما على بكرة أبيها تنادي بأنّا لا ينقصنا هنا إلاّ سيدة تكون هي واسطة عقد الندوة"(٣٤). وكانوا يحسدون فيرارا، وأربينو، ومانتوا لما تستمتع به من هذه الناحية، ولشد ما اغتبطوا حين جاءت إزبلا دست لتبسط أثوابها ومفاتنها النسوية على حفلاتهم التي لم تكن تضم إلاّ الذكور.
وبلغ الظرف، والذوق، ولطف الحديث، وتقدير الفن غايته ذلك الوقت، ونالت الفنون والآداب على اختلاف أنواعها أعظم التشجيع، ولسنا ننكر أنه كان هناك حلقات مثقفة في العواصم الصغرى،