بعنايته، وجاء به إلى أربينو (١٥١٥)؛ ثم بعث الوالد بابنه فيما بعد ليدرس الفلسفة في بولونيا. ثم استقر الشاعر أخيراً في فتيربو Viterbo في رعاية الكردنال الإنجليزي رجنلدبول Reginald Pole. وامتاز عن غيره بأن رفض منصبين عاليين، منصب أمين ليو مشتركاً في ذلك مع سودوليتو، ومنصب أمين لمجلس ترنت، وكان يحصل على تأييد وهبات جمة من كثير من الكرادلة رغم ارتيابهم في أنه يعطف على حركة الإصلاح البروتستانتي. وكان طوال تجواله كله يتوق للحياة الهادئة والهواء النظيف اللذين يجدهما في بيت أبيه الريفي بالقرب من إمولا. وكانت قصائده كلها تقريباً باللغة اللاتينية كما كانت كلها تقريباً قصائد قصارا في صور أغان، وأناشيد رعاة، ومراث، وترانيم، ورسائل للأصدقاء من طراز رسائل هوراس، ولكنه يعود فيها مرة بعد مرة إلى حبه لمرابضه الريفية القديمة:
سأبصرك الآن مرة أخرى، وسيبتهج ناظري لرؤية الأشجار التي غرستها يد أبي، وسيفيض قلبي فرحاً حين أتذوق قليلاً من النوم الهادئ في غرفتي الصغيرة. وكان يشكو من أنه سجين في ضوضاء روما وصخبها، ويحسد صديقاً له صوّره بأنه يختفي في ملجأ قروي يقرأ "كتب سقراط" و "لا يفكر مطلقاً في التكريم التافه الذي يمنحه إياه الجمهور الحقير"(٥٢) وكان يحلم بالتجوال في الوديان الخضراء مع فلاحي فرجيل ورعاة ثيوفريطس ويتخذهم له رفاقاً. وأشد أشعاره تأثيراً هي الأبيات التي كتبها إلى أبيه وهو على فراش الموت:
"لقد عشت يا أبتاه عيشة طيبة سعيدة، لم تكن فيها بالفقير ولا بالغني، حصلت فيها على كفايتك من العلم ومن الفصاحة، وكنت على الدوام قوي الجسم، سليم العقل؛ بشوشاً تقياً لا يجاريك في تقواك أحد. حتى إذا أتممت الثمانين من عمرك انتقلت إلى شواطئ الآلهة المباركة. ارحل إليها يا أبتاه، وخذ بعد قليل ابنك معك إلى مقعدك الأعلى في السماء".