ومن ثم فإنه لا يصلح أن يوجه اللوم إلى البابا، كما وجهه إليه الكثيرون لأنه إلهي ميكل عن عمله في قبر يوليوس. وبعث ليو بميكل إلى فلورنس ومنها ذهب إلى كرارا ليقطع من محاجرها أطناناً من الرخام. ولمّا عاد إلى فلورنس استأجر مساعدين لمعاونته في العمل، ثم تشاحت معهم، وردهم على أعقابهم، وقضى بعض الوقت يفكر ولا يعمل شيئاً فيما ألقي عليه م عمل لا يستريح له، هو عمل المهندس المعماري. وحدث أن استولى الكردنال جويليو ابن عم ليو على بعض الرخام الذي لم يكن ينتفع به ليستخدمه في الكنيسة؛ فغضب لذلك ميكل ولكنه ظل يتباطأ في العمل، حتى إذا كان عام ١٥٢٠ أعفاه ليو أخيراً من العقد الذي وقعه، ولم يطلب حساباً عن المال الذي دفعه مقدماً للفنان. ولمّا أن طلب سيستيانو دل بيمبو إلى البابا أن يعهد إلى ميكل أنجيلو بعمل آخر، لم يستجب ليو لهذا اطلب. فقد كان يقر لميكل أنجيلو بتفوقه في الفن، ولكنه قال:" إنه رجل مزعج، كما ترى ذلك أنت بنفسك، ولا أرى سبيلاً إلى الاتفاق معه": ونقل سيستيانو هذا الحديث إلى صديقه، وأضاف إليه قوله:" لقد قلت لقداسته إن أساليبه المزعجة لم تسبب أذى لأي إنسان، وإن إخلاصك للعمل العظيم الذي وهبت نفسك له وحده الذي يجعلك تبدو مزعجاً لغيرك من الناس"(٥٩).
ترى ما هذا الإزعاج الذي اشتهر به ميكل أنجيلو. إنه أولاً وقبل كل شيء جهده العظيم، وهو تلك القوة العاصفة، المضنية التي كانت تعذب جسم ميكل أنجيلو، ولكنها أبقت عليه مدى تسع وثمانين سنة؛ وهي ثانياً قوة في الإرادة ظلت تسخّر هذا الجهد وتوجهه نحو هدف واحد - هو الفن - وتغفل كل ما عداه تقريباً. والجهد الذي توجهه إرادة جامعة موحدة يكاد يكون هو التعريف الصحيح للعبقرية. ولقد كان ذلك الجهد الذي يرى في الحجر الذي لا شكل له تحدياً له، ثم ينشب فيه مخالبه، ويدقه بمطرقته،