ويحفره بمثقبه حتى ينكشف عن شيء ذي معنى، هو نفس القوة التي اكتسحت أمامها وهي غاضبة كل ما يحولها عن غرضها من سفاسف الحياة، فلا تفكر في الملبس، ولا النظافة، ولا المجاملات السطحية؛ ثم أخذت تتقدم نحو غايتها تقدماً إن لم يكن أعمى فقد كان على عينيه غماء، يسير فوق وعود حانثة، وصداقات خاسرة، وصحة منهوكة، وأخيراً فوق روع محطمة، تترك الجسم والعقل مهشمين، ولكنها تنجر العمل - تنجز أروع الصور، وأروع الآثار المنحوتة، وعدداً من أعظم المباني، التي تمت في ذلك الزمن. ولقد صدق ميكل أنجيلو حين قال:"إذا أعانني الله فسأخرج أجمل ما شهدته إيطاليا في حياتها كلها"(٦٠).
وكان ميكل أنجيلو أقل الناس وسامة في عصر اشتهر بجمال الجسم وفخامة الثياب. كان متوسط الطول، عريض المنكبين، نحيل الجسم، كبير الرأس، مرتفع الجبهة، أذناه بارزتان إلى ما بعد وجنتيه، وصدغاه بارزان إلى ما بعد الأذنين، وجهه مستطيل قاتم، وأنفه أفطس، وعيناه صغيرتان حادتان، وشعر رأسه ولحيته أشمط - هكذا كان ميكل أنجيلو في مقتبل عمره. وكان يرتدي ملابس قديمة، ويتعلق بها حتى تصبح وكأنها جزء من جسمه، ويبدو أن كان يطيع نصف نصيحة أبيه:"أحرص على ألا تغتسل، حُكَّ جسمك ولكن لا تغتسل"(٦١). وكان، هو الرجل الغني، يعيش معيشة الفقراء، معيشة الاقتصاد، يأكل أي شيء تصل إليه يداه، ويكتفي أحياناً بكسرة من الخبز. ولمّا كان في بولونيا، كان هو والعمال الثلاثة الذين يشتغلون معه يسكنون في حجرة واحدة، وينامون على سرير واحد. ويقول عنه كنديفي: "وكان وهو في عنفوان الصبا ينام في ثياب النهار، لا يخلع منها شيئاً حتى حذاءيه الطويلين، اللذين كان يحتذيهما على الدوام لأنه كان لديه استعداد للإصابة بتقلص