الخطط في ضوء الصباح، ويحسب النفقات، ويرتب أعمال الغد. وكانت تنتابه فترات يبدو فيها خاملاً، ثم تتملكه فجاءة حمى الإنتاج، فلا يبالي بأي شيء حتى انتهاب روما.
وقد حال انهماكه في العمل بينه وبين صداقة الناس، وإن كان له بعض الأصدقاء الأوفياء، "وقلّما كان صديق أو غير صديق يطعم على مائدته"(٦٥). وكان يقنع بصحبة خادمه الأمين فرانتشيسكو ديجلي أمادوري Franecesco degli Amadore الذي ظل خمساً وعشرين سنة يعنى به، وظل كثيراً من السنين يشاركه فراشه. وقد اغتنى فرانتشيسكو من هبات ميكل، ولمّا مات (١٥٥٥) تفطر قلب الفنان حزناً عليه. أما في معاملة غيره من الناس فقد كان حاد الطبع سليط اللسان، عنيفاً في نقده، سريعاً في غضبه، يرتاب في كل الناس. وكان يصف بروجيا بأنه أبله، وعبّر عن رأيه في صور فرانتشيا بأن قال لابن فرانتشيا الوسيم إن والده يرسمن الأشكال بالليل أحسن مما يرسمه منها بالنهار" (٦٦). وكان فرانتشيا يغار من نجاح رفائيل وحب الناس إياه؛ ومع أن كلا الفنانين كان يحب صاحبه فإن مؤيديهما انقسموا إلى فئتين متشاحنتين، حتى بلغ من أمرهم أن بعث ياقوبو سانسو فينو برسالة إلى ميكل يسبه فيها سباً قاذعاً ويقول: "لعنة الله على ذلك اليوم الذي تنطق فيه بأي خبر عن أي إنسان على ظهر الأرض (٦٧) ". ولقد مرت به أيام قليلة ينطبق عليها هذا الوصف، منها أن ميكل شاهد صورة لألفنسو دوق فيرارا من عمل تيشيان فقال إنه لم يكن يظن أن الفن يمكن أن يصنع هذا الصنع العجيب، وإن تيشيان وحده هو الخليق بأن يسمى مصوراً (٦٨). وكان مزاجه المرير، وطبيعته المكتئبة هما المأساة التي لازمته طول حياته؛ فكانت تمر به أوقات يشتد فيها اكتئابه حتى يشرف على الجنون،، استحوذ عليه خوف الجحيم حتى ظن أن فنه