لا ينتهي عند حد معلوم؛ ولقد زعم لنفسه "الاستنارة" لكنه لم يدّعِ الوحي، فما زعم قط للناس أن إلهاً كان يتكلم بلسانه؛ وهو في جدله مع خصومه أكثر صبراً ومجاملة من أي معلم آخر ممن شهدت الإنسانية من أعلام المعلمين؛ ويصوره لنا أتباعه- وربما كانوا يضيفون إليه ما ليس فيه لتكمل صورته- يصورنه لنا مصطنعاً لـ "أهمسا" على أتم درجاتها (والأهمسا هي الامتناع عن قتل الكائنات الحية على اختلافها)؛ فيقولون عنه:"أن جوتاما الذي اعتزل الناس قد رفع نفسه عن الفتك بالحياة، بأن كف عن قتل الأحياء؛ لقد خلع عن نفسه الهراوة والسيف (مع أنه كان يوماً من طبقة الكشاترية- أي طبقة المقاتلين) وهو يزورُّ عن غلظة المعاملة ازوراراً، ويمتلئ قلبه بالرحمة، فهو رحيم شفوق بكل كائن تدب فيه بالحياة … وترفع عن النميمة، أو رفع نفسه عن دناءة الغيبة … هكذا كان يعيش رابطاً لما انحلت عراه، مشجعاً لدوام الصداقة بين الأصدقاء، مصلحاً ذات البين عند الخصوم، محباً للسلام، متحمساً للسلام، متحدثاً بكلمات تهيئ للسلام"(٣٦)؛ لقد كان مثل "لاوتسي" ومثل "المسيح" يود أن يرد السيئة بالحسنة، والكراهية بالحب؛ وإذا أسيء إليه في النقاش أو أسيء التفاهم بينه وبين من يحاوره، آثر الصمت:"إذا أساء إلي إنسان عن حمق، فسأرد عليه بوقاية من حبي إياه حباً مخلصاً، وكلما زادني شراً، زدته خيراً"؛ فإذا جاءه غر وإهانة، استمع إليه بوذا وهو صامت، حتى إذا ما فرغ الرجل من حديثه، سأله بوذا:"إذا رفض إنسان يا بني أن يقبل منحة تقدم إليه فمن يكون صاحبها؟ " فيجيبه الرجل: "إن صاحبها عندئذ هو من قدمها"؛ فيقول له بوذا:"إني أرفض يا بني قبول إهانتك، والتمس منك أن تحفظها لنفسك"(٣٧). إن بوذا- على خلاف الكثرة الغالبة من القديسين- كانت له روح الفكاهة، لأنه أدرك أن البحث الميتافيزيقي بغير ضحك يصاحبه، من ضروب الكبرياء.