كانت طريقته في التعليم فريدة لا يماثلها نظير، ولو أنها مدينة بشيء "للجوالين" أو السوفسطائيين المتنقلين الذي عاصروه في بلده؛ فكان ينتقل من بلد إلى بلد، وفي صحبته تلاميذه المقربون، وفي أثره ما يقرب من ألف ومائتين من أتباعه المخلصين؛ ولم يكن أبداً يهتم لغده، فكان يكتفي بالزاد يقدمه له أحد المعجبين من سكان البلد الذي يحل فيه؛ ولقد وصم ذات يوم أتباعه بالعار، لأنه أكل في منزل امرأة فاجرة (٣٨)؛ كانت طريقته دائماً أن يقف السير عند مدخل قرية من القرى، ويضرب خيامه في حديقة أو غابة أو على ضفة نهر؛ وكان يخصص ساعات العصر لتأملاته، وساعات المساء للتعليم؛ وكانت محادثاته تجري في صورة سقراطية من الأسئلة وضرب الأمثلة الخلقية والتلطف في الحوار، أو كان يسوق تعاليمه في عبارات مقتضبة يرمي بها إلى تركيز آرائه تركيزاً يجعلها في صورة من الإيجاز والترتيب بحيث تقر في الأذهان؛ وأحب "عباراته التعليمية المقتضبة" إلى نفسه هي "الحقائق السامية الأربع" التي بسط فيها رأيه بأن الحياة ضرب من الألم، وأن الألم يرجع إلى الشهوة، وأن الحكمة أساسها قمع الشهوات جميعاً:
١ - تلك- أيها الرهبان- هي الحقيقة السامية عن الألم: الولادة مؤلمة، والمرض مؤلم، والشيخوخة مؤلمة، والحزن والبكاء والخيبة واليأس كلها مؤلم …
٢ - وتلك أيها الرهبان- هي الحقيقة السامية عن سبب الألم: سببه الشهوة، الشهوة التي تؤدي إلى الولادة من جديد، الشهوة التي تمازجها اللذة والانغماس فيها، الشهوة التي تسعى وراء اللذائذ تتسقطها هنا وهناك، شهوة العاطفة، وشهوة الحياة، وشهوة العدم.
٣ - وتلك- أيها الرهبان هي الحقيقة السامية عن وقف الألم: