التي تطرح المحاكاة وتشق لنفسها طريقاً خاصاً بها، تجتازه بقوة تكاد تصل إلى حد العنف، وتصلبه إلى ما تريد. ويبدو أن رفائيل قد بلغ من السعادة حداً يمنعه أ، يكون عبقرياً بالمعنى التقليدي لهذا اللفظ؛ وهو المعنى الذي يجعل العبقرية تشرف على الجنون. ولقد تخلص رفائيل من صراعه الداخلي حتى لم تعد تظهر عليه إلاّ قلة من أعراض الروح أو القوة الشيطانية التي تحرك أعظم النفوس، فتدفعها إلى الإبداع والمآسي؛ ولهذا كان عمل رفائيل ثمرة الحذق الكامل المصقول لا الشعور العميق أو العقيدة. وقد كّيف نفسه لحاجات يوليوس وأهوائه في أول الأمر، ثم لحاجات ليو وأهوائه من بعده، ومن بعدهما لتشيجي، ولأنه ظل على الدوام الشب الذي لا يعرف الختل والخداع، والذي يتقلب وهو مغتبط بين صور العذارى والعشيقات؛ وكانت هذه هي وسيلته المرحة للتوفيق بين الوثنية والمسيحية.
وإذا فهمنا من لفظ الفنان معناه التطبيقي الآلي كان رفائيل أبرع الفنانين لا يعلو عليه واحد منهم. ذلك أن أحداً لم يضارعه قط في ترتيب عناصر الصورة، ولا في انسجام أجزائها، أو الانسياب الهادئ لخطوطها. وكانت حياته كلها مكرسة لإتقان الشكل، ولهذا كان ينزع إلى البقاء على ظاهر الأشياء، فنحن لا نراه يسبر غور ما في الحياة أو العقيدة من أسرار خفية أو متناقضات. وكان دهاء ليو، وإحساس ميكل أنجيلو بمآسي الحياة عديمي المعنى بالنسبة له، وكان حسبه بهجة الحياة ومتعتها، وخلق الجمال وتملكه، ووفاء الصديق والحبيب. وكان رسكن Ruskin صادقاً حين قال إنه كانت تظهر من حين إلى حين في النحت القوطي، وفي التصوير بإيطاليا وفلاندرز "قبل عصر رفائيل" بساطة، وإخلاص وسمو في الإيمان والأمل، يتعمقان النفس أكثر مما تتعمقها صور العذراء وفينوس الجميلة التي أبدعها رفائيل. ومع هذا فإن صورتي يوليوس الثاني وعذراء