كانت فكرته عن الدين خلقية خالصة؛ فكان كل ما يعنيه سلوك الناس، وأما الطقوس وأما شعائر العبادة، وما وراء الطبيعة واللاهوت، فكلها عنده لا تستحق النظر؛ وحدث ذات يوم أن هم برهمي بتطهير نفسه من خطاياها باستحمامه في "جايا"، فقال له بوذا:"استحم هنا، نعم هاهنا ولا حاجة بك إلى السفر إلى جايا أيها البرهمي؛ كن رحيماً بالكائنات جميعاً؛ فإذا أنت لم تنطق كذباً، وإذا أنت لم تقتل روحاً، وإذا أنت لم تأخذ ما لم يعط لك، ولبثت آمناً في حدود إنكارك لذاتك- فماذا تجني من الذهاب إلى "جايا"؟ إن كل ماء يكون لك عندئذ كأنه جايا"(٤٦)، إنك لن تجد في تاريخ الديانات ما هو أغرب من بوذا يؤسس ديانة عالمية، ومع ذلك يأبى أن يدخل في نقاش عن الأبدية والخلود والله؛ فاللانهائي أسطورة- كما يقول- وخرافة من خرافة الفلاسفة، الذين ليس لديهم من التواضع ما يعترفون به بأن الذرة يستحيل عليها أن تفهم الكون؛ وإنه ليبتسم (٤٧) ساخراً من المحاورة في موضوع نهائية الكون أو لا نهائيته؛ كأنما هو قد تسلف بنظره إذ ذاك ما يدور بين علماء الطبيعة والرياضيات اليوم من مناقشة حول الموضوع مناقشة ما أقربها من حديث الأساطير؛ لقد رفض أن يبدي رأياً عما إذا كان للعالم بداية أو نهاية، أو إذا كانت النفس هي هي البدن أو شيئاً متميزاً منه، أو إذا كان في الجنة ثواب للناس حتى أقدس القديسين من بينهم؛ وهو يسمي هذه المشكلات "غاية التأمل النظري وصحراءه وبهلوانه والتواءه وتعقيده"(٤٨) ويعتزم ألا يكون له شأن بأمثال هذه المسائل، فهي لا تؤدي بالباحثين فيها إلا إلى الخصومة الحادة، والكراهية الشخصية والحزن؛ ويستحيل أن تؤدي بهم إلى حكمة أو سلام؛ إن القدسية والرضى لا يكونان في معرفة الكون والله، وإنما يكونان في العيش الذي ينكر فيه الإنسان ذاته، ويبسط كفه للناس إحسانا (٤٩)؛ ثم يضيف إلى ذلك تهكماً بشعاً فيقول أن الآلهة أنفسهم، لو كان